بسم الله الرَّحمان الرَّحيم
الحمد لله الذي أنار الوجود بطلعة خير البريّة سيّدنا وحبيبنا وقرّة أعيننا محمد صلّى الله عليه وسلّم ما طلعت شمس وأضاء قبس. الحمد لله الذي جعل اجتماعات أهل الله موثّقة بشرعه الكريم وعلى سنّة سيّد الأوّلين والآخرين عليه من الله أفضل الصلوات والتسليمات والتّحيّات المباركات إلى يوم الدّين. وبعد فإنّ هذا المكتوب ممّا أجراه الله على قلوبنا وإن كنّا من أهل التّقصرة فبفضل ظنّ إخواننا فينا يكون هذا العمل خيرا وبركة لأهل التّبصرة .
وفي البدء كان حديثا حول إسم الصّدر فقط شرعا ونقلا ونزولا عند رغبة بعض أحبابنا في الله ارتأينا أن يكون عملا شاملا يتحدّث عن التّصوّف ومشروعيّة الذّكر جهرا وجماعة والسّماع والاهتزاز فكان ذلك، ثمّ تناولنا بالتّفصيل الموضوع الرّئيس وهو إسم الصّدر أه. رجاؤنا ومبتغانا أن يجد فيه القارئ سؤله ومبتغاه بما يظنّه من خير ونيّة طيّبة في اجتماعات أهل الله وأن يكون بلسما على صفحات قلبه كي يستعين به لإبلاغه للغير لما يدور حول التّصوّف، إذ المنتسب تكفيه حجّة واحدة بإيجاد برد الرّاحة والطّمأنينة عند ذكره للعمارة متمتّعا بقوله سبحانه :“ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب”.
فعسى الله الكريم أن ينفع بها من له صفاء وظنّ جميل في جمع أهل الله وينفع بها المتشوّفين لمعرفة الحقّ وشرعيّة أذكارالصّوفيّة.
الذكر بإسم الصدر آه
نقول كما قال صاحب القصيدة :
فإنّا إذا طِبنا و طَابت نفوسُنا *** و خامرنا خمرُ الغرام تَهتّكْناَ
فالتّهتّك هو الخروج عن المألوف بدون الإخلال بالآداب الشرعيّة. فرقص جعفر رضي الله عنه هو تعبير على حالة من الفرح، وقد يعبّر المحبّ بأشياء تفوق المألوف. فالذكر باسم الصدر “آه” أو ما يُسَمَّى عند القوم (الحضرة) هو شعور خاص ينتاب المنتسب لأهل الله يعبّر به عن مدى حضوره مع الله في حالة من الشوق والدّعاء والمناجاة والبكاء القلبي و التّأوّه.
و الذكر بهاته الكيفيّة ناجم عن تواجد عميق لما يعتري المحبَّ من وجد وتفاعل مع معاني القرآن ومع قصائد السّلف الصّالح وما يأتي معها من نغمات و مقامات.
ومن مقوّمات هذا الإدراك والتّفنّن فيه الذكر باسم الصّدر“آه” الذي يورّث حضورا خاصّا مع الله ومناجاة لا حدّ لها، إذ يصفو الباطن وتستريح الرّوح ونجد إثر ذلك إحساسا عميقا لمراقبة الله في كل أحوالنا.
أ- الأدلّة الشرعيّة :
فيما يتعلّق بالنّصوص النّقليّة (الشرعيّة) فقد أجاد فيها القوم وتحدّثوا كثيرا انطلاقا من الكتاب والسنّة وعمل السّلف الصّالح و نذكر في هذا السّياق ما يلي:
1) جاء في تفسير الطبري من سورة التوبة الآية 114 لقوله سبحانه “ إنّ إبراهيم لأوّاه حليم”. أوّاه: كثير قول “آه”. و يُؤيّده في ذلك علماء النّحو إذ الإسم إسم مبالغة على وزن فعّال والفعل على وزن تفعّل، ومعنى تأوّه قال “آه”. وبقطع النّظر عن بقيّة التّفاسير التي في مجملها كثير الدّعاء فإنّ وجود البعض يغني عن فرضيّة هذا التأويل المراد به القائل لآه.
وجاء في تفسير الألوسي في تفسير نفس الآية : أي الكثير التّأوّه. وهو عند جماعة كناية عن كمال الرّأفة ورقّة القلب .
أخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم أنّه الدّعاء المستكن إلى الله تعالى كهيأة المريض المتأوّه من مرضه.
وأخرج البخاري في تاريخه أنّه الذي قلبه معلّق عند الله. وقال الألوسي : و أصل التّأوّه قول آه ونحوه مما يقوله الحزين. (من كتاب برهان الذاكرين للشيخ محمد المداني رضي الله عنه ص 41 (
2)في قوله سبحانه “ وخشعت الأصوات للرّحمان فلا تسمع إلاّ همسا” سورة : طه .الآية: 108 . زيادة على تفسيرها بمجمل كتب التفسير بأنّ هذه الحالة خاصّة بيوم القيامة يوم الحساب الأكبرواستنادا للفهم الصوفي لإشارات القرآن فهي إشارة لأهل الله الذاكرين في الدّنيا قبل الآخرة. فعند تمام الحضور تخشع الأصوات استحياء منه سبحانه للاعتقاد أن ّلغة الكلام في بعض الأحيان عاجزة عن التّعبير. يقول بعض فرسان هذا الذّوق الرّفيع رضي الله عنه :
ثَمَّ معاني دونَ اللّسانِ *** يَحْوِي جَنانِي غَيْر َالكَلام
والهمس لغة : التّحدّث بصوت خافت. أمّا مفهومه الاصطلاحي: هو لغة مناجاة لا يَفهم كُنهَها إلاّ المهموسُ له و الهامسُ. فالذكر بإسم الصّدر المراد منه التعبير على ما بخلد الذاكر من إحساس مرهف نحو الحق جلّ وعلا وأدبا جميلا لا يتعدّى لغة الكلام. إذ في بعض الأحيان يعجز الكلام عن التّعبير ويترك للغة الإشارة حسن التّبليغ. فربّ أبكم عبّر عن حالة معيّنة أكثر من متكلّم، إذ الصّورة في بعض الأحيان تغني عن النّص.
3) يقول سبحانه “ فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشَدّ ذِكرًا” سورة : البقرة، الآية: 200 . فإشارة “كذكركم آبائكم” تُنبِئ بلهفة وشوق في الذكر يصاحبها رغبة واهتزاز في بعض الأحيان. وعند ذكر الأحبّة ورؤيتهم يتلو هذا الشّوق ركض وهرولة وجري لاستقبال المحتفى به. وهذا المشهد يبرز جليّا عند ملاقاة الابن الصّغير لأبيه المسافر بعد عودته من سفر طويل، فالإبن مشتاق لرؤية أبيه فترى حاله وهو يجري للمقابلة قائلا: “اباه ،اباه...”و ماذا أشدّ من ذلك إلاّ العروج والتّأوّه والمناجاة لله سبحانه. ألم يقل الحقّ سبحانه في حديثه القدسي “وإن أتانيِ يَمشي أتيته هَرْوَلةً” في الحديث الذي مطلعه “ما من شيء يتقرّب به العبد إليّ أفضل ممّا افترضته عليه، ولا زال يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه (...)” الحديث.
4)في قوله صلّى الله عليه وسلم في حديث الأنين الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنّه رأى مريضا يئنّ في حضرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه فنهاه. فقال عليه الصّلاة والسّلام :“ دعوه إنّه يذكر إسما من أسماء الله تعالى”. ونقل العلاّمة الحفني في حاشيته على الجامع الصّغير:“أنّ اسم آه هو اسم الله الأعظم لاشتماله على سرّ الإشارة. وإذا قيل أّنه لا يمكن الذكر إلاّ بالأسماء الحسنى، فهنالك أسماء أخرى غير التّسعة والتّسعين مثل: الحنّان، المنّان وغيرها كثير... والمصطفى صلّى الله عليه و سلّم ناجى ربّه قائلا:” يا حنّان ويا منّان برحمتك أستغيث " .
وذهب بعضهم أنّ لله أسماء لا يعلم عددها إلاّ الله تتنوّع بتنوّع الجنس (الخاصّة بالجنّ ، الملائكة، الحيوانات و كل العوالم ما سوى الإنسان) لعلمنا أنّ الكلّ يسبّح بإسمه “يُسبّحُ لهُ السّماوات السّبعُ والأرض وما فيهنّ” سورة : الإسراء . الآية : 44 .
وقد أشار إلى تعدّد الأسماء باختلاف الأحوال حديث الدّعاء :"اللهمّ إنّي أسألك بكلّ إسم هوَ لك سمَّيتَ به نفسكَ أو استَأْثَرتَ به في علمِ الغَيْبِ عِندك أًوْ أنزَلْتَهُ في كِتَابك أو عَلّمتَه أحدا مِن خلْقكَ أن تجعَلَ القرآن العظيم ربيع قلوبنا وجلاء أحزاننا و.......) الحديث .
فتعليمه أحدا من خلقه دليل على أنّ هذا الإسم علّمه الله لأحد من خلقه من الصّوفيّة وصار ذكرا لبقيّة الأتباع. وهو حديث صحيح ورد في البخاري ولا يستحيل نقلا أن يكون أحد من خلقه مطّلعا على إسم خفيّ اختصّه الله به وهو ظاهر الحديث.
5)جاء في صحيح سنن ابن ماجه باختصار السّند عن ابن عبّاس رضي الله عنه أنّّ النّبيء صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في دعائه “ربّ أعِنِّي ولا تُعِنْ علَيّ وانصُرني ولا تُنصُر عليّ وامكُر لي ولا تَمكُر علَيّ واهدِنِي ويسّر الهُدى لي وانصُرني علَى منْ بغَى عليّ . ربّ اجعَلْني لك شكّارا لك ذكّارا لك رهّابا لك مطيعا إليكَ مُخبتا إليكَ أوّاها منيبا. ربّ تقبّل توبتي واغسل حوْبَتِي و أجِبْ دعوتي. واهدي قلبي وسدّد لساني وثبّت واسْلُلْ سَخِيمَةَ قلبي.” . قال أبو الحسن الصنفاسي قلت لوكيع أقوله في قنوت الوتر قال نعم. (حديث صحيح خرّجه الألباني في كتابه). ( حوبتي :إثمي، السّخيمة :الحقد ) .
6( أخرج البيهقي عن زيد ابن أسلم قال : قال ابن الأدرع : انطلقت مع النّبيء صلّى الله عليه وسلّم ليلة، فمرّ برجل في المسجد يرفع صوته، قلتُ: يا رسول الله، عسى أن يكون هذا مرائيا .قال :“ لا ولكنّه أوّاه”. حديث ذكره الإمام جلال الدّين السّيوطي رحمه الله في موضوع اسمه :“نتيجة الفكر في الجهر بالذكر” وجاء في نفس المصدر ما يلي :
7( أخرج البيهقي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لرجل يُقال له ذو البجادين “إنّه أوّاه، وذلك أنّه كان يذكر الله”
8( أخرج البيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنّ رجلا كان يرفع صوته بالذكر، فقال رجل : “لو أنّ هذا خفّض من صوته، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم” دعْهُ فإنّهُ أوّاه".
9) يقول الله عزّ وجلّ : “وإنْ مِنْ شيءٍ إلاّ يُسبّح بِحَمدِه ولكن لا تَفقَهُون تَسْبيحَهم”. بعض آية عدد : 44 من سورة : الإسراء. يتبيّن من هته الآية أنّ أنواع التّسابيح كثيرة من جميع الكائنات، فصوْتُ الرّعد تسبيح، وصوت الرّيح تسبيح وغيرها كثير...و لكي يتحقّق مراد الله من هاته الآية – و بما أنّنا شيء من خلق الله – لا بدّ أنّ لنا تسابيح لا يمكن فهمها كلّ النّاس، فعَدَمُ فِقهِ النّاسِ للتّسبيح باسم الصّدر آه، تحدّث عنه القرآن بصفة عامّة متحدّيا جميع الخلق وحاسما هذا الأمر منذ الأزل “ولكن لا تفقهون تسبيحهم”. بمعنى لا تفهمون، وللذي لا يفهم شيئا، لايحمّل هذا الشّيء عدم شرعيّته بل يبحث هو في ذاته لماذا لم يفهم ؟ ...
يقول الشّاعر:“إِذا لَمْ ترَ الهلاَلَ فَسلِّمْ لِقَوْمٍ رأوْهُ بِالعِيانِ”.
ويقول خادم السّادة الصّوفيّة العبد الحقير إلى الله الحاج مبروك غفر الله له : “عَجِبْتُ لِمَنْ صَدَّقَ بِتَسْبيحِ الرُّعودِ كَيْفَ لا يَفْقَهُ تَسْبيحَ الصُّدورِ...؟”.
وخير ما نختم به حديثنا الشرعي حول إسم الصدر ما جاء في برهان الذاكرين لشيخنا سيدي محمد المداني رضي الله عنه : “و أمّا إسم الصدر وهو إسم الله”آه“بألف وهاء ، وهيأة الذكر به المسمّاة عند أهل المغرب بالعمارة بكسر العين، فقد اصطلح على الذكر به أكثر أهل الله خصوصا السادة الشاذليّة حسبما شاهدته ببلاد المغرب. أمّا ثبوت هذا الإسم فقد تحقّق عند العلماء الفحول وثبتت روايته عن النّبيء صلّى الله عليه وسلّم في حديث الأنين، وهذا نص ما نقلته جريدة الزّهرة التونسيّة عن جريدة الأفكار المصريّة ممّا أجاب به الولي ّالصّالح والعالم النّاصح سيدي احمد وافى الشاذلي الأزهري تحت هذا العنوان”الرجوع إلى الحق ’ : قال تعالى “ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون”. قال المفسّرون : أسماء الله كلّها حسنى لأنّها تدل على معاني الكمال الإلهي سواء وردت في القرآن فقط كإسم الله تعالى والقريب والمحيط والسريع والأحد وأحكم الحاكمين وخير الفاصلين وذي العرش وذي الطول وغير ذلك ممّا ورد في الذكر الحكيم خاصّة أو جادت به السنّة أيضا كقوله صلّى الله عليه وسلم : “إنّ لله تسعة وتسعين إسما من أحصاها دخل الجنّة : الله ، الرحمان، الرحيم ....” ( الحديث ) أو وردت به السنة وإن لم يردمن القرآن كقوله صلّى الله عليه وسلم : “ إن الله جميل يحب أن يرى أثر نعمته على عباده” . وقد ورد هذا الإسم في جريدة التوحيد للدردير، فهو الجليل الجميل والولي و غير ذلك مما تفرّدت به السنّة خاصّة وليس في القرآن صراحة. فليس المراد بالأسماء خصوص التسعة والتسعين وإلاّ لزم معارضة الأحاديث بعضها لبعض كما لايخفى وذلك لايُعقل.إذا علمت ذلك علمت أنّنا مأمورون أن ندعو الله تعالى بكل إسم ثبت وورد عن الشّارع صلّى الله عليه وسلم مطلقا، و ممّا تأكّد ثبوته ذلك الإسم العظيم الذي إتّخذه السّادة الشّاذليّة من ضمن أذكارهم وهو إسم الله تعالى “آه” جلّ جلاله .
ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه رأى مريضا كان يئنّ في حضرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم و أصحابه فنهاه بعضهم عن الأنين و أمره بالصّبر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم “ دعوه فإنّه يذكر إسما من أسمائه تعالى” . و نقل العلّامة الحفني في حاشيته على الجامع الصغيرللسيوطي عند الكلام عن الإسم الأعظم أنّ إسم الله “آه” هو الإسم الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى . وقال الإمام الفخر الرّازي في تفسيره في شرح البسملة : اختلف العلماء في الإسم الأعظم ويرجح عندي أنّ – أه- هو إسم الله الأعظم لاشتماله على سرّ الإشارة وتكوّن الكائنات وظهور التّجلّيات. وذكر العلاّمة العزيزي في شرحه على الجامع الصّغير أيضا أنّ إسم الله تعالى “آه”هو إسم يلهمه الله تعالى للعبد عند تجلّيات الجلال.
وقد قال الشيخ الأمير في حاشيته على متن غرامي صحيح أنّ “آه” من أسمائه تعالى وصحّح ذلك. وروى الحاكم في مستدركه حديثا يذكر “آه” اسم عظيم من أسمائه تعالى يلهمه الله تعالى لمن أحبّ من عباده لأنّه سر من الأسرار التي لايطّلع عليها إلاّ المقرّبون من المؤمنين.وقال الأستاذ البيجوري في حاشيته على جوهرة التّوحيد عند قول النّاظم :
“حتّى الأنين في المرض كما نقل”
ينبغي للمريض أن يقول “آه” فإنّه من أسمائه تعالى ولا يقول أخ لأنّه من أسماء الشّيطان .
فقد ثبت بالدّليل النّقلي أنّ “آه” إسم عظيم من أسماء الله الحسنى التي أمرنا الله سبحانه وتعالى أن ندعوه بها. فحينئذ لا إلحاد ولا تحريف نعوذ بالله من ذلك و إذًا ليس اسم “آه” مهملا لا معنى له مطلقا كما قيل بل معناه منزّه عن الإهمال جليل عند أهل الإنصاف، ولو تتبّعنا الآثار والأخبار الواردة في الاستدلال على صحّة هذا الإسم لما وسعتنا الصّحف، وفي هذا القدر كفاية لمن سطعت عليه أنوارالهداية ونسأل الله العناية وحسن الختام بجاه سيّدنا محمّد عليه أفضل الصّلاة والسّلام .
هاته السّنة سنة أربعة وخمسين وثلاثمائة وألف قرأت في مجلّة الإسلام المصريّة تلك المجلّة العلميّة الدّينيّة في عددها الخامس و الثّلاثين مقالا طويل الذيل يثبت فيه صاحبه كون إسم الصدر “آه” من أسمائه تعالى واستدلّ على ذلك بدلائل نقليّة وعقليّة جازاه الله بأحسن الجزاء ". انتهى كلام الشّيخ محمد المداني قدّس الله سرّه .
10)إنّ طلاسم القرآن (مثل :ألم، حم، كهيعص) و غيرها مما يُتعبّد به عند تلاوتها فبكل حرف حسنة لقول الرسول صلّى الله عليه و سلّم: “لا أقول ألم حرف بل أ حرف ول حرف و م حرف” .
وإسم الصدر يشتمل على حرفين هما : الألف والهاء وهما من حروف طلاسم القرآن. فالذكر بهذين الحرفين يمحو السيّئات و يكتب الحسنات
11) لقد أقسم الله بتنفّس الخيول عند جريها فقال سبحانه:“والعاديات ضبحا”. فضبح أنفاس أهل الله عند ذكر اسم الصدر له مدلوله وشرعيّته إذا قورن بنفس العاديات (الخيول عندما تعدو في سبيل الله في الفتوحات
ب- الأدلّة العقليةّ
أمّا فيما يتعلّق بالأدلّة العقليّة والتّفسيرات المنطقيّة فنرد ما يلي :
بسم الله الرَّحمان الرَّحيم
الصوفيّة و أذكارهم نقلا وعقلا والذكر باسم الصدر“آه”
1) إسم الصّدر آه ينطقه كلُّ إنسان مكروبٍ، أو نشوانٍٍ، أو مُتَحَيِّرٍ ، لِيُعَبِّرَ به على الحالة التي هُوَ فِيها ويتَّفِقُ في ذلك كُلُّ الخَلْقِ منْ بَنِي البَشَرِ كافرًا أو مؤمنا، وهو اسم قَهْرِيٌّ يُلْهِمُهُ الخالِقُ لكلِّ خَلْقِهِ لكيْ تُقْضَى الحاجةُ مِنْ ذلك، فَيُفْهَمُ الحَيْران، و يُفَرَّجُ عَنِ المَكْرُوبِ، والبَاكِي يُتَنَفَّسُ عَنْهُ بِصِيَاحِهِ وبُكائِهِ .
2) الحضرة متنفّس الصّوفيّة وتعبيرٌ عن قمّة فرحهم وشوقهم بمحبّتهم لله ورسوله صلّى الله عليه وسلم. إذ المحبّة تقتضي تفاعلا وتناغما مع المحبوب. فكبت هذا الشّعور يتولّد عنه إحباط وربما في بعض الأحيان يكون فيه نهاية المحبّ. و كم من عاشق مات شهيدا (ومن الحبّ ما قتل) . فخذ مثلا عشّاق كرة القدم، ترى حالهم عند تسجيل فريقهم معبّرين عن فرحتهم بالصّياح والهتاف اللامحدود، حتّى أنّ بعضهم يغمى عليه من شدّة الفرح و منهم من لم يتحمّل قوّة العشق و لذة الانتصار فيسقط ميّتا ...؟ أمّا عشّاق الغناء والطّرب فحدّث ولا حرج. فقد يتمنّى العاشق أو العاشقة منهم نظرة أو كلمة أوحتّى إشارة يرى فيها سؤله ومناه فتنتهي ربما بحتفه. ألم يحدث في تشييع جنازة بعض المطربين أن انتحر الكثير برمي أنفسهن من بنايات شاهقة ....؟ نسأل الله اللطف والعافية في القلوب والعقول ...وهذا حديث عن الجانب التّفاعلي الفيزيائي لما يحدث للعبد عند قمّة الفرح في بعض الأحيان.
ولكن المحبّة الشّرعيّة والشّوق إلى الله الكريم العظيم تحدّثت عنها مواقف المحبّة الالاهية .
وخير ما نتحدّث به هنا عن الحديث الذي ذكره شيخنا السيد محمد المداني رضي الله عنه في بعض رسائله إثر سؤال بعثه إليه بعض مريديه في كتاب ’شرح المعاني في رسائل الشيخ المداني لتفسيره للحديث : “ من عشِقَ فعَفَّ فماتَ ماتَ شَهيدًا ” . ما يلي : “...و الحاصل أنّ من عشق وكان نزيها في عشقه وكاتما له فإنّه يموت شهيدا ينزله الله منزلا مباركا وهو خير المنزلين. أمّا من كان عشقه في دعارة و فساد، حفظ الله الجميع، فإذا أقلع عن ذنبه وتاب إلى الله ورجع إليه فإنّ الله يقبل التّوبة عن عباده ويحبّ التّوابين و يحبّ المتطهّرين. وإذا لم يتب من ذلك فإنّ أمره مفوّض لربّه”. ثم يواصل ويقول في الخاتمة :“أمّا فهم الحديث بطريق الإشارة حسبما يفهمه الخاصّة من الأمّة المحمديّة فهو: الذي يعشق الحضرة الإلاهيّة و يتقوّى حبّه فيها فيعفّ ويترك ما نهاه الله عنه ويتقرّب إلى الله بما فرض عليه ثم يتقرّب إليه بالنّوافل حتّى يصير محبوبا عند الله، فيكون له الحقّ سمعا وبصرا ويدا ورجلا. ويكون مجاب الدّعوة ويكون كاتما ما يفيض عليه من العلوم الأحديّة ولا يبوح بسرّه الذي يتجلّى الله به عليه (*)فإذا مات بعد ذلك كان شهيدا، وكان مغفورا له يتمتّع بدخول النّعيم و بالنّظر إلى وجه الله الكريم. اللهم اجعلنا من عبادك المقرّبين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . آمين . *:ولذلك قيل هل أحدّث بكل ماأسمع منك يا رسول الله . قال نعم إلاّ بحديث لم يبلغ عقول القوم فيكون على بعضهم فتنة”. انتهى كلامه رضي الله عنه.
ولله المنّة والفضل أنّ الصّوفيّة فرحهم شرعيّ وغايتهم التّوحيد الخالص لله سبحانه ، فهذا الشّعور إن لم يُوظَّف إيجابيًّا والتّمتّع بسرّ فحوى هته المحبّة ويُعبّرُ عنه بهذا الشّكل من الحضور مع الله فإنّه يُؤثّر سلبا على العلاقة القويّة بين الحبيب والمحبوب . يقول الشّاعر رحمه الله تعالى :
“إذا اشتدّ الهوى في قلبِ صبٍّ *** تُنَفِّسُ كُرْبةَ العُشَّاقِ آهُ”
3) أوقات الفراغ لدى عامّة النّاس تُقَضَّى في المقاهي والنّوادي لإدراكهم أنّ الإنسان لا بدّ أن يُغيّر الأجواء ليأخذ نفسا جديدا.أمّا الصّوفيّة فناديهم وأوقات فراغهم: اجتماعاتهم، وفي هذا النّادي يفعلون ما بوسعهم في هوايتهم، ويُنَفِّسُون عن بواطنهم. فإذا تصفّحت َمجالسهم تجدُه يبتدىءُ بالقرآن، تلاوة بعد تلاوة، بتجويدٍ رائع وأداء جميل. ثمّ يقع الإنشاد بأصوات رنّانة، و بمحتوى وبمضمون يُخبِرُ عن ذات الله وصفاته سبحانه وتعالى وينبئك عن شمائل الحبيب محمد صلّى الله عليه و سلّم . والحديثَ عن جنّة المعارف وجنّة الزّخارف، وما أعدّه الله لعباده المخلصين، المصطفيْن الأخيار، فتراهم نشاوى بما ذُكِرَ، وتراهم يتفاعلون مع ما يسمعون، ويتمايلون ويتواجدون، حتّى تأتيَ لحظةُ العشق مع المحبوب سبحانه، وساعة المناجاة فَيَقُومُونَ يذكرون اللهَ بقلوبهم، وبكلّ ما أ ُوتوا من حضورٍ واستغراق.
ثم لنستمع للإمام علي رضي الله عنه كيف يصف أصحاب النّبيء صلّى الله عليه وسلم، قال أبو أرأكة:“صلّيت مع عليّ صلاة الفجر، فلمّا انفتل عن يمينه مكث كأنّ عليه كآبة ،حتّى إذا كانت الشّمس على حائط المسجد قيد رمح صلّى ركعتين ،ثم ّقلب يده فقال : و الله لقد رأيت أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلم ،فما أرى اليوم شيئا يشبههم ،لقد كانوا يصبحون صفرا شعثا غبرا ،بين أيديهم كأمثال رُكَب المُعْزَى ،قد باتوا لله سجّدا وقياما، يتلون كتاب الله يتراوحون بين جباههم و أقدامهم ،فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا (أي تحرّكوا) كما يميد الشجر في يوم الرّيح ،و هملت أعينهم حتّى تنبل و الله ثيابهم”. ذكره ابن كثير في البداية و النّهاية.
فلا ملامة إن عبّر الصّوفيّة عن شعورهم في ناديهم كما يفعل رُوّاد النّوادي في هواياتهم المتعدّدة.
فنحن معشر الصّوفيّة نشترك مع إخواننا المؤمنين في كلّ الفرائض ونُؤدّيها على الوجه الأكمل، من صلاة وصيام، وزكاة وحجّ. يقول سيّدي المداني قدّس الله سرّه : “إذا جالستَ العلماء فلا تجلس معهم إلاّ بنصوص صحيحة، و إذا جالست الزّهّاد فاجلس معهم على بساط المجاهدة ، و إذا جالست أهل الله فسلّم لهم تُحضى بالعلم المكنون”
وما زاد على هذه الفرائض والأركان فهي من سبيل النّوافل والفضائل، لقوله سبحانه في الحديث القدسي “ولا زال يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أُحبّه”. وقد اعتبرها البعض من قبيل ملء الفراغ وتعميره بما ترتاح إليه النّفس البشريّة، فالنّفس تملّ فلا بدّ من تغيير نوع الطّاعة. فقد جاء في الحديث :“لمّا علِم اللهُ منكم المَللَ لَوّنَ لكم الطّاعات”.
فنجتمع مع بعضنا ويكون ذلك بديلا للبقاء في نواد أخرى، والمراوحة بين الفينة والأخرى اعتمادا على قوله صلّى الله عليه و سلّم :“روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة، إنّ القلوبَ إذا كلّت عمِيَت” .
وعلاوة على هذا كلّه يجد أبناء الصّوفيّة وشبابُها أين يُقضّون فترة مراهقتهم (وما أدراك ما هته الفترة) في الذكر والإنشاد لتُستَغلَّ هته الفُتُوّةُ في محبّة الله ورسوله عليه الصّلاة و السّلام. مع العلم أنّ المجتمع الحديث قد فرض علينا أنماطا من اللقاءات، ثمّ يليها حديثا عمّا جرى بين الشّباب من تلك الملتقيات نسأل الله الحفظ لنا ولأبنائنا. فيجد الشّاب والابن الصّوفي نفسَه صاحب بديل، وصاحب أجواء من الإنشاد والتّرفيه، والمراوحة النّبيلة والهادفة التي تؤسّس فيه ولاء صادقا لدين الله. فتراه لا يفكّر في استبدال هذا الجوّ المفعم بالمحبّة الخالصة والتّناغم المملوء بالاحترام والتّبجيل، لأنّ اجتماعات الصّوفيّة يستوي فيها الشّاب و الكهل، والصّغير والكبير، و الغنيّ والفقير، فتراهم متحابّين في الله. وما أروع طريقة السّلام بينهم بتقبيل الأيادي، وهي عبارة عن عربون محبّة واحترام. فمن المفارقات العجيبة أن يُقبّل الغنيّ يد الفقير، والأستاذ الجامعي يدَ أخيه في الله الطّالب عنده بالجامعة أو التلميذ بالقسم، و الكلّ يفعل ذلك احتراما وقوّة إيمان وتفان في الإخاء والمحبّة . امتثالا لقوله عليه الصّلاة والسّلام : “مثلُ المؤمنين في تواددهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحُمّى”.
4) إنّ التّجربة الفيزيائيّة لآلة البخار تُوحي لنا بأمر يجب أن نقف عنده. فخذ مثلا آلة ضغط تعمل بالبخار ، و الخزّان (la chaudière à vapeur ) بداخله ماء يشتعل بدرجة حرارة مرتفعة ، فإن نحن أغلقنا منفسه ، يمكن بتأثير الضّغط أن ينفجر، و إن نحن استعملنا هذا البخار وأوصلناه بآلة استخرجنا منه طاقة تُستغل .
والحديث قياس، و كما قيل “من الحبّ ما قتل” و قيل أيضا “و الكلامُ كالسّهامِ قاطع أعناق النَّفس”. و جمع أهل الله فيه من الكلام عن الحضرة الإلاهيّة، والحضرة المحمّديّة ما يُهيّمُ الفردَ ويجعله مشتاقا يتلوّى من نار المحبّة و الشّوق إلى الله عزّ وجلّ . فهذا الغليان ( المشابه لغليان الماء في الخزّان ) - إذا نحن لم نجد له منفّسا ليُستغلّ، ويسري نورُه في الباطن بوجود تسبيح خاص خارق للعادة وهو المعنّى بذكر إسم الصّدرآه (الذي لا يفقهه إلاّ القليل) - فلربّما وقع عكس ذلك من انفجار داخلي وربّما تلاه كبت طويل مستمر، الله أعلم بنهايته. وفي هذا المعنى : من الشّوق والحرقة ما يُفسّر سببه . جاء في كتاب ’ خلفاء حول الرسول ’ صلّى الله عليه وسلّم للكاتب خالد محمد خالد في سرده لسيرة الصّحابي الجليل سيّدنا أبي بكر رضي الله عنه و روته عنه ابنته السّيدة أسماء رضي الله عنها في حالة تعبّد أبيها ،قالت : “و كنتُ أشتَمُّ رائحةَ كبِدٍ تُشوَى” ...؟ من فرط وجده وحضوره مع الله الكريم.
5) في حالة البكاء والفرح تكثر دقّات القلب على ما هو عاديّ، ولا بد لهته الحالة الفيزيولوجيّة من تعديل آلي، بمعنى لا بد من قدر كاف من الأكسيجين ليدخل في الدّورة الدّمويّة. وهذا ما يُفسّر التّنفّس بقوّة وبسرعة لدى العدّاء عند جريه (فترى حاله كأنّه يذكر إسم الصّدر آه بدون كلفة و بصوت مرتفع) . فسبحان من ألهم هذا المخلوق هذا النّوع من التّنفّس لتستقيم حاله . ألم نقل في البداية أنّه إسم قهريّ ألهمه الله جميع خلقه ليُتنفّس عنهم عند الملمّات. و سل من ينكر هذا أن يأتيَ بإسم آخر ليتمّ تعديل هته الحالة الطّبيعيّة في البشر والحيوان وبقيّة المخلوقات؟
كذلك في حالات الفرح و التّرح، يخفُقُ القلبُ كثيرا، وخاصّة إذا ذُكر الحبيبُ واشتيق إليه، فلا بد إذا من تنفّس قويّ (بمعنى فيزيائي لا بد من مروحة (ventilateur ) تلَطِفُ وهجَ قلبِ المحبّ . وهذه المروحة هي الحضرة عند الصّوفيّة، و تُسمّى عند أهل المغرب بالعِمارة وهي الذكر باسم الصّدر آه . ليتمّ التّوازن الحراري ، وكأنّه تكييف ربّانيّ بين القلب ومحبوبه، فهو مكيّف معدَّل بالقدرة الرّبّانيّة، كلّما ازدادت حرارة اللقاء و العروج والمناجاة كلّما ازداد الذكر باسم الصّدر آه حتّى يكثر الأكسجين بالدّاخل، ويتسرّب ثاني غاز الكربون، ويجد القلبُ توازنه في حالات الفرح والتّرح ليُؤدّي الوظيفة التي أراده الله له. وممّا يُفسّر في بعض الأحيان الموتَ إثر سكتة قلبيّة على غرار فرح أو مصيبة مفاجئة أنّ دقّات القلب زادت على ما هو متوقّع و بصورة غير منتظرة ثمّ لم يتوفّر التّنفّس الكافي (هذا ما يفسّر قولنا للمغمى عليه حاول أن تتنفّس بقوّة) و بالتّالي لا تتوفّر الكمّية الكافية للأكسجين. فيا سبحان من خلق وقدّر وجعل لكل أمر قدرا. يقول الحقّ سبحانه في سورة طه . الآية 50: “قال ربّنا الذي أعطى كلَّ شيء خلقه ثمّ هدى”.
- الخاتمة
وممّا تبيّن سلفا من أدلّة نقليّة وعقليّة، نجد أنّ اجتماعات الصّوفيّة موثّقة وذاتُ منحى شرعي وواقعي، ليستمرّ عطاؤهم ألا محدود وليتفانوا في ذكر ربّهم ما أوتوا إلى ذلك سبيلا ليصدق فيهم قول الله تعالى : “ و الذاكرين اللهَ كثيرًا و الذاكرات أعدّ الله لهم مغفِرة وأجرا عظيما” سورة : الأحزاب. آية :35.
ولا غرابة إن سُمّوا بأهل الله الذاكرين، والغالب على حالهم ذكر الله ومدارسة القرآن والعناية به حفظا وتفسيرا. جاء عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم :“إنّ القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد” قيل وما جلاؤها يا رسول الله ؟ قال :“ذكر ُ الله وتلاوة القرآن”. ومن ثمرات ذكر الله المتنوّع لدى الصّوفيّة حرصهم الشّديد على تطبيق الشّريعة، و الاستقامة ظاهرا وباطنا في خُلُقِهم. لذلك ترى أخلاقهم أخلاقا نبويّة، ومظاهر محمّديّة تدبّ على وجه الأرض، وتراهم في مواقع متعدّدة لنفع عباد الله من أئمّة، وخطباء، و وعّاظ، ومرشدين. وصدق من قال في حقّهم :“أفضل الدّعاة من تربّى في أحضان الصّوفيّة”.....
نسأل الله دوام العافية، ونسأل الله القدير أن ينفعنا بما علّمنا، وأن يبارك لنا في التّصوّف وأهله وأن يرفعنا بذكرنا، وأن يمتّعنا بكل ما عند أهل الله من ذكرواجتماع. إنّه نعم المولى ونعم النّصير وصلّى الله على سيّد الأوّلين والآخرين سيّدنا محمد النبي الطّاهر البشير وعلى آله وسلم.