:مقدمة
ان المرشد هو النور الكاشف للظلمات و الشبهات , و هو الذى منحه الله الفقه فى دين الله , و تأويل المتشابهات , و فك رموز الخفيات من آيات القرآن و حديث رسول الله r, و هو الفرد الذى تتنزل عليه الفيوضات و الالهامات من العلوم الوهبية اللدنية , زيادة كل ما حصله من العلوم الكسبية و الجتهادية , و هو العبد الذى اتاه الله رحمة فى قلبه بعباد الله حتى قام يبذل كل ما لديه لاخراج الناس من الظلمات الى النور , و يبين لهم معالم الدين الحنيف , و يجدد اثار السنة المطهرة , و يعيد الى الاذهان ما خفى من هدى أئمة الهدى , و ما اندرس من آداب و أحول و سلوك السلف الصالح رضى الله عنهم , و ذلك سر قول رسول الله r :
"
ان الايمان ليخلق كما يخلق الثوب فجدده"
و الايمان عمل من اعمال القلوب , و هو التصديق بكل ما جاء به رسول الله r من عند الله , و اليقين بالآخرة ,و الغيب الذى فرض الله علينا الايمان به و تجديد هذه الحقائق , و انما يكون بتلقى العلم النافع من العارف الربانى المرشد الروحانى , الذى خشى الرحمن بالغيب و جاء اليه بقلب منيب .
و هذا العلم تتزكى به النفوس , و تتطهر به القلوب , و تعلو به الهمم , و تنحشف به الحقائق للمؤمن , فيتجدد ايمانه , و يقوى يقينه , و يقبل على الاعمال البدنية بعزيمة صادقة و صدر منشرح , بحيث يكون له فى كل عمل مشاهدت خاصه , و نيات صالحة , و قصود طبية .
و المرشد الكامل أمل المؤمن و بغيته , و طلب امؤمن و مقصده , لأن صحبته تؤثر على نفسه تأثيرا مباشرا و عميقا , و تجعل المؤمن تشبه به فى سيره و سلوكه , وأخلاقه و آدابه , و تأثير الصحبة على النفوس أمر لا يستطيع أحد ان يتجاهله , قال رسول الله r:" المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " (1) .
و قال صلى الله r :" مثل الجليس الصالح و الجليس السوء كحامل المسك و نافخ الكير , فحامل المسك أما أن يحذيك و أما أن يبتاع منه و أما أن تجد منه ريحا طبية , ونافخ الكير أما أن يحرق ثيابك و أما أن تشم منه رائحة كريهة "
و من هنا كان طلب المرشد واجبا على المؤمن , لأنه يحمل المسك , و هوالعلم الذى يؤثر فى النفوس , و يجد المؤمن رائحته فى نفسه فيهش له القلب و يبش , و يشتاق المؤمن الى الجمالات و الكمالات الحقيقية من معانى الدين الشريف , وهى الأمور التى تتجدد بها الايمان , من الحب فى الله و البغض فى الله , و الثقة بالله , و التوكل على الله , و التفويض لله , و الصبر و الرضى , و الزهد و الورع , و الايثار و البر و الاحسان , و العفو و المسامحة , و الصلة و المودة , و المرءة و النجدة و الشجاعة , و البعد عن محارم الله و عن كل ما يكرهه الله و رسوله ظاهرا و باطنا , حتى يكون عبدا قائما لله عز و جل بما يحبه و يرضاه , فى كل وقت من اوقاته , بل فى كل نفس من أنفاسه .
و هذا لا يكون الا بصحبة العارف بالله , الخبير بأمراض النفوس و كيفية علاجها , لأنه يستخرج الشفاء من كتاب الله تعالى و سنة رسوله r , و قال الامام على رضى الله عنه و كرم الله وجهه :
" اللهم لا تخلى الأرض من قائم لك بحجة , أما ظاهرا مشهورا , أو باطنا مستورا , لأن لا تبطل حجج الله و بيناته "
و قال أيضا رضى الله عنه : فلا تصحبن الا تقيا مهذبا عفيفا زكيا منجزا للمواعد .
و المرشد المطلوب من أجل الترقى فى المقامات , و الرفعة الى أعلى الدرجات , لأن المقامات غيب خفى , و المرشد ينزل بالسالك فيها على قدر قواه الروحانية من غير ارهاق و لا اجحاف , و قال تعالى :
" و لا ترهقنى من أمرى عسرا " (3) .
و كان ذلك على لسان سيدنا موسى للخضر أثناء صحبتهما , و قال تعالى :
" و ما أريد ان أشق عليك ستجدنى ان شاء الله من الصالحين " (4) .
و كان ذلك على سيدنا شعيب لسيدنا موسى عليهما السلام , و عندما طلب منه أن يعمل اجيرا ثمانى سنوات , و أن يتمها من عنده عشرا , وذلك فى مقابل مهر أبنته التى زوجها له .
و تلك هى شروط الصحبه فى الله و رسوله التى بينها القرآن الشريف لنا حتى تكون نبراسا يضئ لنا فى كل زمان و مكان .
و لقد كان اصحاب رسول الله r أئمة الهداة و العارفين و المرشدين , رضى الله تعالى عنهم اجمعين فهم فى الذروة من كل مجد و سناء , ومن كل خلق كريم و صفاء , و لقد أفلح القائل :
قم للمعلم و فه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا
أرايت أفضل أو أجل من الذى يبنى و ينشئ أنفاسا و عقولا
و قال الامام على :
أقبل على النفس واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم انسان
و لله در القائل :
أقدم أستاذى على حق والدى و ان كان لى من والدى النسب و الشرف
فذاك مربى الروح و الروح جوهر و هذا مربى الجسم , و الجسم من صدف
ويقول الامام ابو العزائم رضى الله عنه :
هذبا للنفس ان رمت الوصول غير هذا عندنا علم الفضول
حصل العلم بعزم صادق لا تكن فى العلم كسلانا ملول
علم النفس بتوحيد العلى من بيان الآى عن الفرد قؤول
و اصطفى الرؤوف الرحيم اسعى الى من يزكى النفس عنه لا تحول
حصل الاحكام بالقدر الذى يقتضيه الوقت لا قال يقول ...
المرشد يكشف لنا عن اسرار هذه الاحكام و حكمتها
من هذا العرض السريع , ينكشف لك يا أخى السائل , ضرورة التعرف على المرشد الكامل , و مجاهد النفس فى صحبته , و ان كان معنا و بيننا العلماء الحافظون لأحكام الشريعة , و المفتون لنا فو مشكلاتنا , الا ان المرشد يكشف لنا عن اسرار هذه الاحكام و حكمتها , و يعرف أمراض النفوس و كيفية علاجها , ولأن حاله يشرق على النفوس فيزكيها , و على القلوب فيطهرها , و على الأرواح فيرقيها , و على الجوارح فتقشعر من خشية الله و تلين الى طاعة الله و رسوله , و ان الحكمة العالية تتراءى لنا من خلال احاديثه , تهدى العقول و الافكار الى سواء السبيل
و المؤمن الطالب للوصول الى رضوان الله الأكبر ومعية رسوله r , يجب عليه ان يلازم المرشد رضى الله عنه بقدر استطاعته , حتى يعيش فى دائرة الحياة الحقيقية التى دعانا الله عز و جل اليها بقوله :
" يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله و للرسول اذا دعاكم لما يحييكم " (5) .
فان انتقل المرشد الى الحياة البرزخية , صاحب المريد أشبه الناس به أعماله و أقواله , و أخلاقه و آدابه , و سيرته حتى لا يحرم المؤمن صحبة المرشد فى صورة من صوره القربية منه فى المعانى و الحقائق , و ذلك معنى قول الله عز و جل على لسان سيدنل ابراهيم عليه السلام :" و اجعل لى لسان صدق فى الآخرين "
اى انسان من أهل الصدق فى اعماله و أقواله , و أحواله , بحيث يكون وارثا لما أكرمتنى به من النبوه و العلم و الحكمة , فيكون هذا الانسان الذى ورثنى فى ذلك , امتدادا لعمرى الكونى , و لحياتى العلمية و العملية , و كأننى بذلك أعيش و أعمل الخير , و لى ثواب ذلك و أجره من غير أن ينقص من أجر الوارث شئ , و قال r :
" من سن فى الاسلام سنه حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئا " (7) .
و طلب المرشد و صحبته , صارت أمرا لازما للمؤمن , يذكرنا به القرآن الكريم فى قول الله عز و جل :
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا من الصادقين " (
.
و المتدبر لهذه الآية الشريفة , يرى أن الله عز و جل , يأمر فيها المؤمن بأمرين :
الأمر الأول , هو تقوى الله عز و جل , و الأمر الثانى , هو أن يكون المؤمن مع الصادقين حيث يكونوا , و كون الأمر الثانى مترتب على الأمر الأول , و هو تقوى الله و يعطى أهمية بالغة للأمر الثانى , و هو ضرورة البحث عن الصادقين الذين صدقوا مع الله و رسوله , و ضرورة صحبتهم و ملازمتهم , حتى يعيش المؤمن فى دائرة الصدق و الصادقين و الصديقين , فلا يجد المؤمن فراغا من وقته يلعب به الشيطان فى اللهو و الهزل , و البعد عن الله و رسوله , بيضيع وقته , و هو أغلى شئ عنده , فانه بفقده يفقد نفسه و حياته و كل شئ , و لا يمكن عودة ما مضى من الوقت , و لا درك ما فاته فيه , فأن لكل وقت واجب مخصوصا , و حقا معينا , قد فات بوفاته , و ضاع بضياعه .
و صحبة الرجال تجعل الانسان منهم , و على الأقل يكون من أهل معيتهم , وقال r :" هم القوم لا يشقى هم جليسهم " (9) .فينال من فضلهم الذى ينعمون فيه , و كذلك صحبتهم تحفظ الانسان و تصونه من المعصية و أسبابها لأنه حصون أمن العارفين بالله , فهم يتولونه بالرعاية و النظر و المتابعة , قال تعالى :" انما وليكم الله و رسوله و الذين أمنوا " (10) .فولاية الله للمؤمن , التفضل عليه بسابقة الحسنى أزلا , وعنايته به أبدا , وولاية رسول الله للمؤمن اخراجه اياه من الظلمات الى النور . قال تعالى :" رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا و عملوا الصالحات من الظلمات الى النور " (11) .وولاية العارفين بالله للمؤمن أمرهم له بالمعروف , و نهيهم له عن المنكر , بالاسلوب الذى يجعله يعشق المعروف و يسارع الى عمله , و يبغض المنكر و يفر من الوقوع فيه , قال الله تعالى : و المؤمنين و المؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر "(12) . فكلما همت نفس المؤمن بمعصية أو بمكروه , وجد من يذكره و ينبهه , و يعيد اليه رشده و صوابه , لأنه فى دائرة ولاية العارف بالله و رعايتة , و كل راع مسئول عن رعيته , و كذلك يكرم بالمعارف و العلوم التى تكشف عنه سحب الجهالة و الغفلة و البعد عن رضوان الله و رسوله .و هناك كثير من الآيات القرآنية التى تحث المؤمن على الصبر فى صحبة العارفين والتأسى بهم . قال تعالى :" و أصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشى يريدون وجههو لا تعدوا عيناك عنهم " و قال سبحانه على لسان مؤمن أل فرعون :" و قال الذى آمن يا قوم اتبعونى أهدكم سبيل الرشاد " و قال الله تعالى : " و اتبع سبيل من أناب اليك " (15) .و قال صلى الله عليه و سلم :" اذا رأيتم الرجل قد أوتى صمتا و زهدا فاقتربوا منه فانه يلقى الحكمة " (16) .و المتأمل فى احوال العارفين بالله و رسوله , و يجد أنهم امناء الله و رسوله على دين الله ورسوله , و خلفاء الله و رسوله على عباد الله , و الحريصون على خير الناس كلهم , و المجاهدون فى سبيل ايصال هذا الخير لعباد الله , متخذين فى سبيل ذلك كل الوسائل والحيل , أملا فى نجاة الناس و هدايتهم الى الصراط المستقيم , و قد استودع الله الرحمة و الحلم فى قلوبهم , و جعل الاخلاص و الصفاء و الطهر من شيمهم :" يحبون من هاجر اليهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما اوتوا و يؤثرون على انفسهم و لو كان بهم خصاصة " و معنى ( لا يجدون فى صدورهم حاجة مما اوتوا ) يعنى أن صدورهم ليس فيها حاجة و رغبة الى شئ من متاع الدنيا و نعمها , التى اكرم الله بها اخوانهم المهاجرين , فلا تستشرف نفوسهم , و لا تتطلع الى شئ مما اعطاه الله و رسوله لاخوانهم المهاجرين , و ان صدورهم قد ملئت بالرضا عن الله و رسوله , و عن اخوانهم الين آتاهم الله و رسوله من فضله .و ذلك ميزان دقيق جدا يزن الله به احوال الرجال العارفين بالله , فان العبد الذى يجد فى نفسه غضاضة , أو ألما , أو كراهية , أو استياءا من رزق مادى أو روحى ساقه الله لاحد من اخوانه المؤمنين , فلن يشم رائحة المعرفة باللع عز و جل , لأنها حظر على هذه الصدور المتبرمة بفعل الله و عطاء الله فقط فى المدينة , و انما هى اوصاف لمن يحبه الله من عباده المقربين , اين كانوا و كيف كانوا , و فى أى زمان كانوا .لأن العبرة فى كلام الله و رسوله , و انما تكون بعموم اللفظ لا بخصوص السبب , فان الله يضع مبادئ عامة , و قواعد كلية , و نظاما شاملا يسير عليه المسلمون الى يوم القيامة .من هذا العرض السريع , ينكشف لك يا أخى السائل , ضرورة التعرف على المرشد الكامل , و مجاهد النفس فى صحبته , و ان كان معنا و بيننا العلماء الحافظون لأحكام الشريعة , و المفتون لنا فو مشكلاتنا , الا ان المرشد يكشف لنا عن اسرار هذه الاحكام و حكمتها , و يعرف أمراض النفوس و كيفية علاجها , ولأن حاله يشرق على النفوس فيزكيها , و على القلوب فيطهرها , و على الأرواح فيرقيها , و على الجوارح فتقشعر من خشية الله و تلين الى طاعة الله و رسوله , و ان الحكمة العالية تتراءى لنا من خلال احاديثه , تهدى العقول و الافكار الى سواء السبيل .و فقنا الله جميعا لمعرفة المرشد الكامل , لأنه صورة رسول الله التى تعيش على بيننا , و رزقنا الله جميعا صحبته و محبته .. آمينو صلى اللهم على سيدنا محمد الممد بروحانيته أرواح الأئمة المهتدين , و الأمناء الناصحين , و على آله > والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
صورة من سجل القصاصات 4