الدليل على أهمية الصحبة من الأحاديث الشريفة:
١- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما مثَلُ الجليسِ الصالح وجليسِ السوءِ كحاملِ المسكِ،
ونافخ الكير، فحام ُ ل المسكِ إما أن يحذِيك (يعطيك) وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة،
ونافخ الكيرِ إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد فيه ريحاً منتنة) [رواه البخاري في صحيحه في كتاب
الذبائح ومسلم في كتاب البر والصلة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه].
٢- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول الله أي جلسائنا خير ؟ قال: "من ذكَّر ُ كم
الله رؤيته، وزاد في علمكم منطُقه، وذكَّركم في الآخرة عمُله" [رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح
٣- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرجل على دين
خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" [رواه أبو داود والترمذي في كتاب الزهد وقال حديث حسن
غريب].
٤- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله
لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكام من الله، قالوا: يا رسول
الله فخبرنا من هم ؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطوا، فوالله
إن وجوههم لنور، وإم لعلى نور، ولا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، وقرأ
هذه الآية: {ألا إنَّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [يونس: ٦٢ ]" [رواه أبو داود].
٥- عن أبي ذر رضي الله عنه قلت: يا رسول الله ؛ الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل
عملهم ؟ قال: "أنت يا أبا ذر مع من أحببت" [رواه أبو داود].
٦- عن حنظلة رضي الله عنه قال: لقيني أبو بكر رضي الله عنه، فقال: كيف أنت يا حنظلة ؟
قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله، ما تقول ؟! قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
يذكِّرنا بالجنة والنار كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا
الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً. قال أبو بكر رضي الله عنه: "فو الله إنا لنلقى مثل هذا".
فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: نافق حنظلة يا رسول
الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك ؟" قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكِّرنا
بالنار والجنة كأنا رأي العين، فإذا خرجنا من عندك عافَسنا الأزواج والضيعات، نسينا كثيراً. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر
لصافحتكم الملائكة على فُرشِكم وفي طُرقِكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة - ثلاث مرات-"
[رواه مسلم في صحيحه في كتاب التوبة. ومعنى عافسنا: عالجنا ولاعبنا ؛ والضيعات: جمع ضيعة
وهو معاش الرجل من مال أو حرفة أو صناعة].
إن هذه الأحاديث السالفة الذكر وكثيراً غيرها تبين بمجموعها أهمية الصحبة، وأثرها في النفوس،
وأا السبيل العملي للإصلاح والتربية. ولا سيما حديث حنظلة الذي يظهر بوضوح كيف كانت
مجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم تشع في القلوب أنوار اليقين، وتزكي في النفوس جذوة
الإيمان، وترتفع بالأرواح إلى مستوى ملائكي أقدس، وتطهر القلوب من أدران المادة، وتسمو بالإيمان
إلى مستوى المراقبة والشهود.
وهكذا مجالسة وراث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتهم، تزكِّي النفوس، وتزيد الإيمان،
وتوقظ القلوب وتذكر بالله تعالى. والبعد عنهم يورث الغفلة، وانشغال القلب بالدنيا، وميله إلى متع
الحياة الزائلة.