كان من هديه صلى الله عليه وسلم تعظيم هذا اليوم وتشريفه ، وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره . وقد اختلف العلماء : هل هو أفضل ، أم يوم عرفة ؟ على قولين : هما وجهان لأصحاب الشافعي .
وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي ( الم تنزيل ) و ( هل أتى على الإنسان ) . [ ص: 364 ] ويظن كثير ممن لا علم عنده أن المراد تخصيص هذه الصلاة بسجدة زائدة ، ويسمونها سجدة الجمعة ، وإذا لم يقرأ أحدهم هذه السورة استحب قراءة سورة أخرى فيها سجدة ، ولهذا كره من كره من الأئمة المداومة على قراءة هذه السورة في فجر الجمعة ، دفعا لتوهم الجاهلين ، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة ؛ لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها ، فإنهما اشتملتا على خلق آدم ، وعلى ذكر المعاد وحشر العباد ، وذلك يكون يوم الجمعة ، وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون ، والسجدة جاءت تبعا ليست مقصودة حتى يقصد المصلي قراءتها حيث اتفقت . فهذه خاصة من خواص يوم الجمعة .
الخاصة الثانية استحباب كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي ليلته ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة ) .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنام ، ويوم الجمعة سيد الأيام ، فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره مع حكمة أخرى وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة ، فإنما نالته على يده ، فجمع الله لأمته به بين خيري الدنيا والآخرة ، فأعظم كرامة تحصل لهم ، فإنما تحصل يوم الجمعة ، فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة ، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة ، وهو يوم عيد لهم في الدنيا ، ويوم فيه يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم ، ولا يرد سائلهم ، وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده ، فمن شكره وحمده وأداء القليل من حقه صلى الله عليه وسلم أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته .
الخاصة الثالثة : صلاة الجمعة التي هي من آكد فروض الإسلام ومن أعظم [ ص: 365 ] مجامع المسلمين ، وهي أعظم من كل مجمع يجتمعون فيه وأفرضه سوى مجمع عرفة ، ومن تركها تهاونا بها طبع الله على قلبه ، وقرب أهل الجنة يوم القيامة وسبقهم إلى الزيارة يوم المزيد بحسب قربهم من الإمام يوم الجمعة وتبكيرهم .
الخاصة الرابعة الأمر بالاغتسال في يومها ، وهو أمر مؤكد جدا ، ووجوبه أقوى من وجوب الوتر ، وقراءة البسملة في الصلاة ، ووجوب الوضوء من مس النساء ، ووجوب الوضوء من مس الذكر ، ووجوب الوضوء من القهقهة في الصلاة ، ووجوب الوضوء من الرعاف ، والحجامة والقيء ، ووجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير ، ووجوب القراءة على المأموم .
وللناس في وجوبه ثلاثة أقوال : النفي والإثبات والتفصيل بين من به رائحة يحتاج إلى إزالتها فيجب عليه ومن هو مستغن عنه ، فيستحب له ، والثلاثة لأصحاب أحمد .
الخاصة الخامسة : التطيب فيه ، وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام الأسبوع .
الخاصة السادسة : السواك فيه ، وله مزية على السواك في غيره .
الخاصة السابعة : التبكير للصلاة .
الخاصة الثامنة : أن يشتغل بالصلاة والذكر والقراءة حتى يخرج الإمام .
الخاصة التاسعة : الإنصات للخطبة إذا سمعها وجوبا في أصح القولين ، فإن تركه كان لاغيا ، ومن لغا فلا جمعة له ، وفي " المسند " مرفوعا ( والذي يقول لصاحبه : أنصت ، فلا جمعة له ) [ ص: 366 ] الخاصة العاشرة : قراءة سورة الكهف في يومها ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ( من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء به يوم القيامة ، وغفر له ما بين الجمعتين ) .
وذكره سعيد بن منصور من قول أبي سعيد الخدري وهو أشبه .
الحادية عشرة : إنه لا يكره فعل الصلاة فيه وقت الزوال عند الشافعي رحمه الله ومن وافقه ، وهو اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية ، ولم يكن اعتماده على حديث ليث عن مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة . وقال : ( إن جهنم تسجر إلا يوم [ ص: 367 ] الجمعة ) - وإنما كان اعتماده على أن من جاء إلى الجمعة يستحب له أن يصلي حتى يخرج الإمام ، وفي الحديث الصحيح ( لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ، ويدهن من دهنه ، أو يمس من طيب بيته ، ثم يخرج ، فلا يفرق بين اثنين ، ثم يصلي ما كتب له ، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى ) رواه البخاري ، فندبه إلى الصلاة ما كتب له ، ولم يمنعه عنها إلا في وقت خروج الإمام ، ولهذا قال غير واحد من السلف ، منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وتبعه عليه الإمام أحمد بن حنبل : خروج الإمام يمنع الصلاة وخطبته تمنع الكلام ، فجعلوا المانع من الصلاة خروج الإمام لا انتصاف النهار .
وأيضا فإن الناس يكونون في المسجد تحت السقوف ، ولا يشعرون بوقت الزوال ، والرجل يكون متشاغلا بالصلاة لا يدري بوقت الزوال ، ولا يمكنه أن يخرج ، ويتخطى رقاب الناس ، وينظر إلى الشمس ويرجع ، ولا يشرع له ذلك .
وحديث أبي قتادة هذا ، قال أبو داود : هو مرسل لأن أبا الخليل لم يسمع من أبي قتادة ، والمرسل إذا اتصل به عمل ، وعضده قياس ، أو قول صحابي ، أو كان مرسله معروفا باختيار الشيوخ ورغبته عن الرواية عن الضعفاء والمتروكين ونحو ذلك مما يقتضي قوته عمل به .
وأيضا فقد عضده شواهد أخر منها ما ذكره الشافعي في كتابه فقال : روي عن إسحاق بن عبد الله ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة ) [ ص: 368 ] هكذا رواه رحمه الله في كتاب " اختلاف الحديث " ورواه في " كتاب الجمعة " : حدثنا إبراهيم بن محمد عن إسحاق ، ورواه أبو خالد الأحمر عن شيخ من أهل المدينة يقال له : عبد الله بن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقد رواه البيهقي في " المعرفة " من حديث عطاء بن عجلان عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا : كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة . ولكن إسناده فيه من لا يحتج به ، قاله البيهقي قال : ولكن إذا انضمت هذه الأحاديث إلى حديث أبي قتادة أحدثت بعض القوة .
قال الشافعي : من شأن الناس التهجير إلى الجمعة والصلاة إلى خروج الإمام ، قال البيهقي : الذي أشار إليه الشافعي موجود في الأحاديث الصحيحة ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم رغب في التبكير إلى الجمعة ، وفي الصلاة إلى خروج الإمام من غير استثناء ، وذلك يوافق هذه الأحاديث التي أبيحت فيها الصلاة نصف النهار يوم الجمعة ، وروينا الرخصة في ذلك عن عطاء وطاووس والحسن ومكحول .
قلت : اختلف الناس في كراهة الصلاة نصف النهار على ثلاثة أقوال أحدها : أنه ليس وقت كراهة بحال ، وهو مذهب مالك .
الثاني : أنه وقت كراهة في يوم الجمعة وغيرها ، وهو مذهب أبي حنيفة ، والمشهور من مذهب أحمد .
والثالث : أنه وقت كراهة إلا يوم الجمعة ، فليس بوقت كراهة ، وهذا مذهب الشافعي .
الثانية عشرة : قراءة ( سورة الجمعة ) و ( المنافقين ) أو ( سبح والغاشية ) في صلاة الجمعة ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهن في الجمعة ، ذكره مسلم في " صحيحه " .
[ ص: 369 ] وفيه أيضا : أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيها ب ( الجمعة ) و ( هل أتاك حديث الغاشية ) ثبت عنه ذلك كله .
ولا يستحب أن يقرأ من كل سورة بعضها أو يقرأ إحداهما في الركعتين ، فإنه خلاف السنة ، وجهال الأئمة يداومون على ذلك .
الثالثة عشرة : أنه يوم عيد متكرر في الأسبوع ، وقد روى أبو عبد الله بن ماجه في " سننه " من حديث أبي لبابة بن عبد المنذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن يوم الجمعة سيد الأيام ، وأعظمها عند الله ، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ، ويوم الفطر ، فيه خمس خلال : خلق الله فيه آدم ، وأهبط فيه آدم إلى الأرض ، وفيه توفى الله آدم ، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا أعطاه ، ما لم يسأل حراما ، وفيه تقوم الساعة ، ما من ملك مقرب ، ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا شجر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة ) .
الرابعة عشرة : أنه يستحب أن يلبس فيه أحسن الثياب التي يقدر عليها ، فقد روى الإمام أحمد في " مسنده " من حديث أبي أيوب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان له ، ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد ، ثم يركع إن بدا له ، ولم يؤذ أحدا ، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي ، كانت كفارة لما بينهما ) .
[ ص: 370 ] وفي " سنن أبي داود " عن عبد الله بن سلام ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر في يوم الجمعة : ( ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته ) .
وفي " سنن ابن ماجه " عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم الجمعة ، فرأى عليهم ثياب النمار ، فقال : ( ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته ) .
الخامسة عشرة : أنه يستحب فيه تجمير المسجد ، فقد ذكر سعيد بن منصور ، عن نعيم بن عبد الله المجمر ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر أن يجمر مسجد المدينة كل جمعة حين ينتصف النهار .
قلت : ولذلك سمي نعيم المجمر .
السادسة عشرة : أنه لا يجوز السفر في يومها لمن تلزمه الجمعة قبل فعلها بعد دخول وقتها ، وأما قبله فللعلماء ثلاثة أقوال وهي روايات منصوصات عن أحمد ، أحدها : لا يجوز ، والثاني : يجوز ، والثالث : يجوز للجهاد خاصة .
وأما مذهب الشافعي رحمه الله ، فيحرم عنده إنشاء السفر يوم الجمعة بعد الزوال ، ولهم في سفر الطاعة وجهان : أحدهما : تحريمه ، وهو اختيار النووي ، والثاني : جوازه وهو اختيار الرافعي .
[ ص: 371 ] وأما السفر قبل الزوال ، فللشافعي فيه قولان : القديم : جوازه ، والجديد أنه كالسفر بعد زوال .
وأما مذهب مالك ، فقال صاحب " التفريع " : ولا يسافر أحد يوم الجمعة بعد الزوال حتى يصلي الجمعة ، ولا بأس أن يسافر قبل الزوال ، والاختيار : أن لا يسافر إذا طلع الفجر وهو حاضر حتى يصلي الجمعة .
وذهب أبو حنيفة إلى جواز السفر مطلقا ، وقد روى الدارقطني في " الإفراد " من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة ألا يصحب في سفره ) . وهو من حديث ابن لهيعة .
وفي " مسند الإمام أحمد " من حديث الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال : ( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في سرية ، فوافق ذلك يوم الجمعة ، قال : فغدا أصحابه ، وقال أتخلف وأصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ألحقهم ، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم رآه فقال : ما منعك أن تغدو مع أصحابك ؟ فقال : أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم ، فقال : " لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم " ) .
وأعل هذا الحديث بأن الحكم لم يسمع من مقسم .
[ ص: 372 ] هذا إذا لم يخف المسافر فوت رفقته ، فإن خاف فوت رفقته وانقطاعه بعدهم جاز له السفر مطلقا ، لأن هذا عذر يسقط الجمعة والجماعة .
ولعل ما روي عن الأوزاعي - أنه سئل عن مسافر سمع أذان الجمعة وقد أسرج دابته ، فقال ليمض على سفره - محمول على هذا ، وكذلك قول ابن عمر رضي الله عنه : الجمعة لا تحبس عن السفر .
وإن كان مرادهم جواز السفر مطلقا فهي مسألة نزاع . والدليل : هو الفاصل على أن عبد الرزاق قد روى في " مصنفه " عن معمر عن خالد الحذاء عن ابن سيرين أو غيره ( أن عمر بن الخطاب رأى رجلا عليه ثياب سفر بعد ما قضى الجمعة ، فقال : ما شأنك ؟ قال : أردت سفرا فكرهت أن أخرج حتى أصلي ، فقال عمر : إن الجمعة لا تمنعك السفر ما لم يحضر وقتها ) فهذا قول من يمنع السفر بعد الزوال ولا يمنع منه قبله .
وذكره عبد الرزاق أيضا عن الثوري عن الأسود بن قيس ، عن أبيه قال : ( أبصر عمر بن الخطاب رجلا عليه هيئة السفر ، وقال الرجل : إن اليوم يوم جمعة ولولا ذلك لخرجت ، فقال عمر : إن الجمعة لا تحبس مسافرا فاخرج ما لم يحن الرواح ) .
وذكر أيضا عن الثوري عن ابن أبي ذئب عن صالح بن كثير عن الزهري قال : ( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مسافرا يوم الجمعة ضحى قبل الصلاة ) .
وذكر عن معمر قال : سألت يحيى بن أبي كثير : هل يخرج الرجل يوم الجمعة ؟ فكرهه ، فجعلت أحدثه بالرخصة فيه ، فقال لي : قلما يخرج رجل في [ ص: 373 ] يوم الجمعة إلا رأى ما يكرهه ، لو نظرت في ذلك وجدته كذلك .
وذكر ابن المبارك عن الأوزاعي عن حسان بن أبي عطية قال : إذا سافر الرجل يوم الجمعة دعا عليه النهار أن لا يعان على حاجته ، ولا يصاحب في سفره .
وذكر الأوزاعي عن ابن المسيب ، أنه قال : السفر يوم الجمعة بعد الصلاة . قال ابن جريج : قلت لعطاء : أبلغك أنه كان يقال : إذا أمسى في قرية جامعة من ليلة الجمعة ، فلا يذهب حتى يجمع ؟ قال إن ذلك ليكره .
قلت : فمن يوم الخميس ؟ قال لا ، ذلك النهار فلا يضره .
السابعة عشرة : أن للماشي إلى الجمعة بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها ، قال عبد الرزاق : عن معمر عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني ، عن أوس بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من غسل واغتسل يوم الجمعة ، وبكر وابتكر ، ودنا من الإمام فأنصت ، كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنة وقيامها وذلك على الله يسير ) . ورواه الإمام أحمد في " مسنده " .
وقال الإمام أحمد : غسل ، بالتشديد : جامع أهله ، وكذلك فسره وكيع .
الثامنة عشرة : أنه يوم تكفير السيئات ، فقد روى الإمام أحمد في [ ص: 374 ] " مسنده " عن سلمان قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتدري ما يوم الجمعة ؟ " قلت : هو اليوم الذي جمع الله فيه أباكم آدم قال : " ولكني أدري ما يوم الجمعة ، لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره ، ثم يأتي الجمعة فينصت حتى يقضي الإمام صلاته ، إلا كانت كفارة لما بينه وبين الجمعة المقبلة ما اجتنبت المقتلة .
وفي " المسند " أيضا من حديث عطاء الخراساني ، عن نبيشة الهذلي ، أنه كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن المسلم إذا اغتسل يوم الجمعة ثم أقبل إلى المسجد لا يؤذي أحدا ، فإن لم يجد الإمام خرج ، صلى ما بدا له ، وإن وجد الإمام قد خرج جلس فاستمع وأنصت حتى يقضي الإمام جمعته وكلامه إن لم يغفر له في جمعته تلك ذنوبه كلها ، أن تكون كفارة للجمعة التي تليها .
وفي " صحيح البخاري " عن سلمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ، ثم يصلي ما كتب له ، ثم ينصت إذا تكلم الإمام ، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى " .
وفي " مسند أحمد " من حديث أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من اغتسل يوم الجمعة ثم لبس ثيابه ، ومس طيبا إن كان عنده ، ثم مشى [ ص: 375 ] إلى الجمعة وعليه السكينة ولم يتخط أحدا ولم يؤذه وركع ما قضي له ، ثم انتظر حتى ينصرف الإمام غفر له ما بين الجمعتين " .
التاسعة عشرة : أن جهنم تسجر كل يوم إلا يوم الجمعة . وقد تقدم حديث أبي قتادة في ذلك ، وسر ذلك - والله أعلم - أنه أفضل الأيام عند الله ، ويقع فيه من الطاعات والعبادات والدعوات والابتهال إلى الله سبحانه وتعالى ما يمنع من تسجير جهنم فيه . ولذلك تكون معاصي أهل الإيمان فيه أقل من معاصيهم في غيره ، حتى إن أهل الفجور ليمتنعون فيه مما لا يمتنعون منه في يوم السبت وغيره .
وهذا الحديث الظاهر منه أن المراد سجر جهنم في الدنيا ، وأنها توقد كل يوم إلا يوم الجمعة ، وأما يوم القيامة فإنه لا يفتر عذابها ، ولا يخفف عن أهلها الذين هم أهلها يوما من الأيام ، ولذلك يدعون الخزنة أن يدعوا ربهم ليخفف عنهم يوما من العذاب ، فلا يجيبونهم إلى ذلك .
العشرون : أن فيه ساعة الإجابة ، وهي الساعة التي لا يسأل الله عبد مسلم فيها شيئا إلا أعطاه ، ففي " الصحيحين " من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ، وقال : بيده يقللها " .
[ ص: 376 ] وفي المسند من حديث أبي لبابة بن عبد المنذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سيد الأيام يوم الجمعة ، وأعظمها عند الله ، وأعظم عند الله من يوم الفطر ، ويوم الأضحى ، وفيه خمس خصال ، خلق الله فيه آدم ، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض ، وفيه توفى الله عز وجل آدم ، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا آتاه الله إياه ما لم يسأل حراما ، وفيه تقوم الساعة ، ما من ملك مقرب ولا أرض ولا رياح ولا بحر ولا جبال ولا شجر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة .