أقوال العارفين بالله من رجال التصوف في فائدة الصحبة وآداا:
إن السادة الصوفية هم أحرص الناس على حياة تعبدية خالصة، تقوم ُأسسها على السمع والطاعة،
والإذعان لنصيحة ناصح، أو توجيه مرشد، فنشأت بينهم تلك المدارس الروحية التي قامت على
أعظم أساليب التربية والتقويم، وأقوى صلات الروح بين الشيخ والمريد.
ولذا يوصي العارفون بالله تعالى كل من أراد سلوك طريق الحق الموصل إلى معرفة الله ورضاه
بالصحبةِ، وروحها الاعتقاد والتصديق ؤلاء المرشدين الدالين على الله تعالى، الموصلين إلى حضرته
القدوسية.
أبو حامد الغزالي:
قال الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى: (الدخول مع الصوفية فرض عين، إذ لا
.[ يخلو أحد من عيب أو مرض إلا الأنبياء عليهم السلام) ["شرح الحكم" لابن عجيبة ج ١/ص ٧
وقال رحمه الله: (كنت في مبدأ أمري منكراً لأحوال الصالحين، ومقامات العارفين، حتى صحبت
شيخي (يوسف النساج) فلم يزل يصقلني بااهدة حتى حظيت بالواردات، فرأيت الله تعالى في المنام،
فقال لي: يا أبا حامد، دع شواغلك، واصحب أقواماً جعلتهم في أرضي محل نظري، وهم الذين باعوا
الدارين بحبي، قلت: بعزتك إلا أذقتني برد حسنِ الظن م، قال: قد فعلت، والقاطع بينك وبينهم
تشا ُ غُلك بحب الدنيا، فاخرج منها مختاراً قبل أن تخرج منها صاغراً، فقد أفضت عليك أنواراً من
جوار قدسي. فاستيقظ ت فرحاً مسروراً وجئت إلى شيخي (يوسف النساج) فقصصت عليه المنام،
فتبسم وقال: يا أبا حامد هذه ألواحنا في البداية، بل إنْ صحبتني ستكحل بصيرتك بإِثمد التأييد...
الخ) ["شخصيات صوفية" لطه عبد الباقي سرور ص ١٥٤ . توفي سنة ١٣٨٢ ه بمصر].
وقال أيضاً: (مما يجب في حق سالكِ طريق الحق أن يكون له مرشد ومرب ليدله على الطريق، ويرفع
عنه الأخلاق المذمومة، ويضع مكاا الأخلاق المحمودة، ومعنى التربية أن يكون المربي كالزارع الذي
يربي الزرع، فكلما رأى حجراً أو نباتاً مضراً بالزرع قلعه وطرحه خارجاً، ويسقي الزرع مراراً إلى أن
ينمو ويتربى، ليكون أحسن من غيره ؛ وإذا علمت أن الزرع محتاج للمربي، علمت أنه لا بد للسالك
من مرشد البتة، لأن الله تعالى أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام للخلق ليكونوا دليلاً لهم،
ويرشدوهم إلى الطريق المستقيم ؛ وقبل انتقال المصطفى عليه الصلاة والسلام إلى الدار الآخرة قد
جعل الخلفاء الراشدين نواباً عنه ليدلوا الخلق إلى طريق الله ؛ وهكذا إلى يوم القيامة، فالسالك لا
يستغني عن المرشد البتة) ["خلاصة التصانيف في التصوف" لحجة الإسلام الغزالي ص ١٨ . توفي سنة
٥٠٥ ه في طوس].
ومن قوله: (يحتاج المريد إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة ليهديه إلى سواء السبيل، فإن سبيل
الدين غامض، وسبل الشيطان كثيرة ظاهرة فمن لم يكن له شيخ يهديه، قاده الشيطان إلى طرقه لا
محالة. فمن سلك سبل البوادي المهلكة بغير خفير فقد خاطر بنفسه وأهلكها، ويكون المستقل بنفسه
كالشجرةِ التي تنبت بنفسها فإا تجف على القرب، وإن بقيت مدة وأورقت لم تثمر، فمعتصم المريد
.[ شيخه، فليتمسك به) ["الإحياء" ج ٣/ص ٦٥
ويقول الغزالي: (إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيراً بصره بعيوب نفسه، فمن كانت بصيرته نافذة لم
تخْف عليه عيوبه، فإذا عرف العيوب أمكنه العلاج. ولكن أكثر الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم يرى
أحدهم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عين نفسه، فمن أراد أن يعرف عيوب نفسه فله أربعة
طرق:
الأول: أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس، مطلعٍ على خفايا الآفات، ويحكّمه في نفسه،
ويتبع إشاراته في مجاهداته، وهذا شأن المريد مع شيخه، والتلميذ مع أستاذه، فيعرفه أستاذه وشيخه
.[ عيوب نفسه، ويعرفه طريق علاجها... الخ) ["الإحياء" ج ٣/ص ٥٥
الأمير عبد القادر الجزائري:
قال الأمير العارف بالله عبد القادر الجزائري في كتابه "المواقف":
(الموقف المائة والواحد والخمسون: قال الله تعالى حاكياً قول موسى لخضرٍ عليهما السلام: {هلْ
اتبِعك على أنْ تعلِّمنِ مما علِّمت رشداً} [الكهف: ٦٦ ]: اعلم أن المريد لا ينتفع بعلوم الشيخ
وأحواله إلا إذا انقاد له الانقياد التام، ووقف عند أمره ويه، مع اعتقاده الأفضلية والأكملية، ولا
يغني أحدهما عن الآخر، كحال بعض الناس يعتقد في الشيخ غاية الكمال ويظن أن ذلك يكفيه في نيل
غرضه، وحصول مطلبه، وهو غير ممتثل ولا فاعل لما يأمره الشيخ به، أو ينهاه عنه. فهذا موسى عليه
السلام، مع جلالة قدره وفخامة أمره، طلب لقاء الخضر عليه السلام وسأل السبيل إلى ُلقيه، وتجشم
مشاق ومتاعب في سفره، كما قال: {لقد لقينا مِن سفرِنا هذا نصباً} [الكهف: ٦٢ ] ومع هذا كله
[ َلما لم يمتثل ياً واحداً، وهو قوله: {فلا تسألْنِي عن شيء حتى ُأحدِثَ َلك منه ذِكراً} [الكهف: ٧٠
ما انتفع بعلوم الخَضِر عليه السلام، مع يقين موسى عليه السلام الجازم أن الخضر أعلم منه بشهادة
الله تعالى، لقوله تعالى عندما قال موسى عليه السلام: لا أعلم أحداً أعلم مني: [بلى، عبدنا خضِر]
وما خص عِلْماً دون علم، بل عمم.
وكان موسى عليه السلام أولاً ما علم أن استعداده لا يقبل شيئاً من علوم خضر عليه السلام. وأما
.[ خضر عليه السلام، فإنه علم ذلك أول وهلة فقال: {إنك لن تستطيع معي صبراً} [الكهف: ٦٧
وهذا من شواهد علمية الخضر عليه السلام فلينظر العاقل إلى أدب هذين السيدين.
قال موسى عليه السلام: {هل أتبِعك على أن تعلِّمنِ مما علِّمت رشداً} [الكهف: ٦٦ ] أي: هل
تأذن في إتباعك، لأتعلم منك ؟ ففي هذه الكلمات من حلاوة الأدب ما يذوقها كل سليم الذوق.
وقال خضر عليه السلام: {فإنِ اتَبعتني فلا تسألْني عن شيء حتى ُأحدثَ لك منه ذِكراً} [الكهف:
٧٠ ] وما قال: فلا تسألني، وسكت، فيبقى موسى عليه السلام حيران متعطشاً، بل وعده أنه يحدث
له ذكراً، أي: علماً بالحكمة فيما فعل، أو ذكراً: بمعنى: تذكراً.
فأكملية الشيخ في العلم المطلوب منه المقصود لأجله لا تغني عن المريد شيئاً، إذا لم يكن ممتثلاً
لأوامر الشيخ، مجتنباً لنواهيه وما ينفع الأصل من هاشم إذا كانت النفس من باهِلة وإنما تنفع أكملية
الشيخ من حيث الدلالة الموصلة إلى المقصود، وإلا فالشيخ لا يعطي المريد إلا ما أعطاه له استعداده،
واستعداده منطَوٍ فيه وفي أعماله، كالطبيب الماهر إذا حضر المريض وأمره بأدوية فلم يستعملها
المريض، فما عسى أن تغني عنه مهارة الطبيب ؟ وعدم امتثال المريض دليل على أن الله تعالى ما أراد
شفاءه من علته، فإن الله إذا أراد أمراً هيأ له أسبابه.
وإنما وجب على المريد طلب الأكمل الأفضل من المشايخ خشية أن يلقي قياده بيد جاهل بالطريق
الموصل إلى المقصود، فيكون ذلك عوناً على هلاكه) ["المواقف" ج ١/ص ٣٠٥ والأمير عبد القادر
الجزائري ااهد الكبير الذي جاهد الفرنسيين الطغاة، ووقف سداً منيعاً أمام الاستعمار الفرنسي
سبعة عشر عاماً مجاهداً ومناضلاً أشهر من أن يعرف. وإنه لغريب على الأسماع قولنا بتصوف الأمير
عبد القادر الجزائري، مع أنه من صفوم، وكتابه "المواقف" يشهد له بذلك، وله ديوان متوسط
الحجم أطول قصيدة فيه الرائية وعنواا (أستاذي الصوفي) اخترنا للقارىء بعض أبياا:
أمسعود جاء السعد والخير واليسر
أسائل كل الخلق، هل من مخبرٍ ؟
إلى أن دعتني همَُّة الشيخ من مدى
فشمر ت عن ذيلي الأطار وطار بي
إلى أن أنخْنا بالبطاح ركابنا
أتاني مربي العارفين بنفسه
وقال: فإني منذ أعداد حجة
فأنت بنيي، مذ "ألس ت بربكم"
وجدك قد أعطاك من قِدمٍ لنا
فقبلت من أقدامه وبساطه
وألقى على صفْري بإِكسير سرهِ
محمد الفاسي، له من محمد
عليه صلاة الله ما قال قائل
ووّلت جيوش النحس ليس لها ذكر
يحدثني عنكم، فينعشني الخَبر
بعيد، ألا فادنُ فعندي لك الذخر
جناح اشتياق، ليس يخشى له كسر
وحطت ا رحلي، وتمَّ لها البشر
ولا عجب، فالشأن أضحى له أمر
لمنتظر لقياك، يا أيها البدر
وذا الوقت حقَّاَ ضمه اللوح والسطر
ذخيرتكم فينا، ويا حبذا الذخر
وقال لك البشرى، بذا قُضِي الأمر
فقيل له: هذا هو الذهب التبر
صفِي الإله، الحال والشيم ال غر
أمسعود جاء السعد والخير واليسر
الصفر هو النحاس
ولد الأمير سنة ١٢٢٢ ه الموافق ١٨٠٧ م بقرية قيطنة في الجزائر. وتوفي في سنة ١٣٠٠ ه
الموافق ١٨٨٣ م ودفن بجوار الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي داخل القبة رحمة الله تعالى عليهما. ثم
نقل رفاته إلى بلده الجزائر عام ١٣٨٦ ه الموافق ١٩٦٦ م].
ابن عطاء الله السكندري:
يقول ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه: (وينبغي لمن عزم على الاسترشاد، وسلوك طريق
الرشاد، أن يبحث عن شيخ من أهل التحقيق، سالك للطريق، تارك لهواه، راسخ القدم في خدمة
.[ مولاه فإذا وجده فليمتثل ما أمر، ولينتهِ عما ى عنه وزجر) [مفتاح الفلاح" ص ٣٠
وقال أيضاً: (ليس شيخك من سمعت منه، وإنما شيخك من أخذت عنه، وليس شيخك من واجهتك
عبارته، وإنما شيخك الذي س رت فيك إشارته، وليس شيخك من دعاك إلى الباب، وإنما شيخك
الذي رَفع بينك وبينه الحجاب، وليس شيخك من واجهك مقاله، إنما شيخك الذي ض بك حاله.
شيخك هو الذي أخرجك من سجن الهوى، ودخل بك على المولى.
شيخك هو الذي ما زال يجلو مرآة قلبك، حتى تجلَّت فيها أنوار ربك، أضك إلى الله فنهضت
إليه، وسار بك حتى وصلت إليه، وما زال محاذياً لك حتى ألقاك بين يديه، فزج بك في نور الحضرة
.[" وقال: ها أنت وربك) ["لطائف المنن" ص ١٦٧
وقال أيضاً: (لا تصحب من لا ينهِضك حاله، ولا يدلك على الله مقاله) ["إيقاظ الهمم" في شرح
.[ حكم ابن عطاء الله السكندري المتوفى سنة ٧٠٩ ه لأحمد بن عجيبة الحسني ج ١/ص ٧٤
الشيخ عبد القادر الجيلاني:
ويقول صاحب العينية سيدي عبد القادر الجيلاني قدس الله سره:
وإن ساعد المقدور أو ساقك القضا
فقم في رضاه، واتبع لمراده
ولا تعترض فيما جهلت من امره
ففي قصة الخضر الكريم كفاية
فلما أ ضاء الصبح عن ليل سره
أقام له العذر الكليم وإنه
١
إلى شيخ حق، في الحقيقة بارع
ودع كل ما من قبل كنت تسارع
عليه، فإن الاعتراض تنازع
بقتل غلام، والكليم يدافع
وسلَّ حساماً للغياهب قاطع
كذلك علم القومِ فيه بدائع
١
["فتوح الغيب" للجيلاني، من قصيدة تسمى "النوادر العينية في البوادر الغيبية" في ٥٣٤ بيتاً
ص ٢٠١ ، وتوفي رضي الله عنه سنة ٥٦١ ه في بغداد].
الشيخ عبد الوهاب الشعراني:
قال العالم الرباني الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه "العهود المحمدية":
(ُأخِذَ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نواظب على الركعتين بعد كل
وضوء، بشرط ألاَّ نحدث فيهما أنفسنا بشيء من ُأمور الدنيا، أو بشيء لم يشرع لنا في الصلاة.
ويحتاج من يريد العمل ذا العهد إلى شيخ يسلك به، حتى يقطع عنه الخواطر المشغلة عن خطاب الله
تعالى. ثم قال:
فاسلك يا أخي على يد شيخ ناصح، يشغلك بالله تعالى، حتى يقطع عنك حديث النفس في الصلاة
كقولك: أروح لكذا، أفع ُ ل كذا، أقول كذا، أو نحو ذلك، وإلا فمِن لازِمِك حديث النفس في
الصلاة، ولا يكاد يسلَم لك منه صلاة واحدة، لا فرض ولا نفل، فاعلم ذلك، وإياك أن تريد
الوصول إلى ذلك بغير شيخ، كما عليه طائفة اادلين بغير علم، فإن ذلك لا يصح لك أبداً) ["لواقح
الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية" للعارف بالله عبد الوهاب الشعراني ج ١/ص ٥١ توفي رضي
الله عنه سنة ٩٧٣ ه في مصر].
وقال الشيخ الشعراني أيضاً: (وكانت صور مجاهداتي لنفسي من غير شيخ أنني كنت أطالع كتب
القوم ك "رسالة القشيري"، و"عوارف المعارف" و"القوت" لأبي طالب المكي و"الإحياء" للغزالي،
ونحو ذلك، وأعمل بما ينقدح لي من طريق الفهم، ثم بعد مدة يبدو لي خلاف ذلك فأترك الأمر الأول
وأعمل بالثاني... وهكذا، فكنت كالذي يدخل درباً لا يدري هل ينفذ أم لا ؟ فإن رآه نافذاً خرج
منه، وإلاَّ رجع، ولو أنه اجتمع بمن يعرفه أمر الدرب قبل دخوله لكان بين له أمره وأراحه من التعب،
فهذا مثال من لا شيخ له. فإن فائدة الشيخ إنما هي اختصار الطريق للمريد، ومن سلك من غير شيخ
تاه، وقطع عمره ولم يصل إلى مقصوده، لأن مثال الشيخ مثال دليل الحجاج إلى مكة في الليالي
.[٤٩ - المظلمة)[ "لطائف المنن والأخلاق" للإمام الشعراني ج ١/ص ٤٨
وقال أيضاً: (ولو أن طريق القوم يوصلُ إليها بالفهم من غير شيخ يسير بالطالب فيها لما احتاج مثل
حجة الإسلام الإمام الغزالي والشيخ عز الدين بن عبد السلام أخذَ أدما عن شيخ مع أما كانا
يقولان قبل دخولهما طريق القوم: كل من قال: إن َثم طريقاً للعلم غير ما بأيدينا فقد افترى على الله
عز وجل. فلما دخلا طريق القوم كانا يقولان: قد ضيعنا عمرنا في البطالة والحجاب. وأثبتا طريق
.[ القوم ومدحاها) ["لطائف المنن والأخلاق" للإمام الشعراني ج ١/ص ٢٥
ثم قال: (وكفى شرفاً لأهل الطريق قول السيد موسى عليه السلام للخضر: {هل َأتبِعك على أنْ
.[ تعلِّمنِ مما علِّمت رشداً} [الكهف: ٦٦
واعتراف الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه وأرضاه لأبي حمزة البغدادي بالفضل عليه،
واعتراف الإمام أحمد بن سريج رحمه الله لأبي القاسم الجنيد، وطلب الإمام الغزالي له شيخاً يدله على
الطريق مع كونه كان حجة الإسلام، وكذلك طلب الشيخ عز الدين بن عبد السلام له شيخاً مع أنه
ُلقِّب بسلطان العلماء... وكان رضي الله عنه يقول: ما عرفت الإسلام الكامل إلا بعد اجتماعي على
الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه وأرضاه. فإذا كان هذان الشيخان قد احتاجا إلى الشيخ مع
سعة علمهما بالشريعة فغيرهما من أمثالنا من باب أولى)[ "لطائف المنن والأخلاق" للإمام الشعراني
.[ ج ١/ص ٥٠
أبو علي الثقفي:
قال أبو علي الثقفي: (لو أن رجلاً جمع العلوم كلها وصحب طوائف الناس لا يبلغ مبلغ الرجال إلا
بالرياضة من شيخ مؤدب ناصح. ومن لم يأخذ أدبه عن آمرٍ له وناهٍ، يريه عيوب أعماله، ورعونات
.[ نفسه، لا يجوز الإقتداء به في تصحيح المعاملات) ["طبقات الصوفية" للسلمي ص ٣٦٥
أبو مدين:
وقال أبو مدين رضي الله عنه:
.[ (من لم يأخذ الآداب من المتأدبين، أفسد من يتبعه) ["النصرة النبوية" ص ١٣
الشيخ أحمد زروق:
قال الشيخ أحمد زروق رحمه الله في قواعده: (أخذ العلم والعمل عن المشايخ أتم من أخذه دوم
{بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} [العنكبوت: ٤٩ ]، {واتبِع سبيلَ من أناب إليَّ}
[لقمان: ١٥ ]، فلزمت المشيخة، سيما والصحابة أخذوا عنه عليه الصلاة والسلام، وقد أخذ هو عن
جبريل، واتبع إشارته في أن يكون عبداً نبياً، وأخذ التابعون عن الصحابة.
فكان لكلٌّ أتباع يختصون به كابن سيرين وابن المسيب والأعرج في أبي هريرة، وطاوس ووهب
ومجاهد لابن عباس، إلى غير ذلك.
فأما العلم والعمل فأخذُه جلِي فيما ذكروا كما ذكروا.
وأما الإفادة بالهمة والحال، فقد أشار إليها أنس بقوله: (ما نفضنا التراب عن أيدينا من دفنه عليه
الصلاة والسلام حتى أنكرنا قلوبنا) [رواه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن
صحيح غريب ولفظه عن أنس رضي الله عنه قال: (لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله
عليه وسلم المدينة، أضاء منها كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، وما
نفضنا عن النبي صلى الله عليه وسلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا)].
فأبان أن رؤية شخصه الكريم كانت نافعة لهم في قلوم، إذ من تحقق بحالة لم يخ ُ ل حاضروه منها،
فلذلك أمر بصحبة الصالحين، وى عن صحبة الفاسقين) ["قواعد التصوف" لأحمد زروق القاعدة
.[٦٥
علي الخواص:
وقال سيدي علي الخواص رضي الله عنه:
لا تسلكَن طريقاً َلست تعرُفها
١
بلا دليلٍ فَتهوي في مهاويها
١
.[ ["المنن" للشعراني ج ١/ص ٥١
لأن الدليل والمرشد يوصل السالك إلى ساحل الأمان ويجنبه مزالق الأقدام ومخاطر الطريق، وذلك لأن
هذا الدليل المرشد قد سبق له سلوك الطريق على يد دليل عارف بخفايا السير، مطلع على مجاهله
ومآمنه، فلم يزل مرافقاً له، حتى أوصله إلى الغاية المنشودة، ثم أذن له بإرشاد غيره، وإلى هذا أشار
ابن البنا في منظومته:
وإنما القوم مسافِرونا
فافتقروا فيه إلى دليلِ
قد سلك الطريق ثمَّ عاد
١
لحضرةِ الحق وظاعنونا
ذِي بصرٍ بالسيرِ والمقيلِ
لِيخبِر القوم بما استفاد
١
[أحمد بن محمد التجيبي المعروف بابن البنا - "الفتوحات الإلهية" شرح المباحث الأصلية
.[ ج ١/ص ١٤٢
الشيخ محمد الهاشمي:
قال شيخنا الكبير مربي العارفين والدال على الله سيدي محمد الهاشمي رحمه الله تعالى:
(فاسلك يا أخي على يد شيخ حي عارفٍ بالله، صادق ناصح، له علم صحيح، وذوق صريح، وهمة
عالية، وحالة مرضية، سلك الطريق على يد المرشدين، وأخذ أدبه عن المتأدبين، عارف بالمسالك،
ليقيك في طريقك المهالك ويدلك على الجمع على الله، ويعلمك الفرار من سوى الله، ويسايرك في
طريقك حتى تصل إلى الله، يوقفك على إساءة نفسك، ويعرفك بإحسان الله إليك، فإذا عرفته أحببته،
وإذا أحببته جاهدت فيه، وإذا جاهدت فيه هداك لطريقه، واصطفاك لحضرته، قال تعالى: {والذين
جاهدوا فينا َلنهدِينهم سبلَنا} [العنكبوت: ٦٩ ]. فصحبة الشيخ والإقتداء به واجب، والأصل فيه
قوله تعالى: {واتبِع سبيلَ من أناب إليَّ} [لقمان: ١٥ ] وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللهَ
.[ وكونوا مع الصادقين} [التوبة: ١١
ومن شرطه أيضاً أن يكون له الإذن في تربية الخلق من مرشد كامل ذي بصيرة نافذة، ولا يقال أين
من هذا وصفه ؟ لأنا نقول كما قال ابن عطاء الله السكَندري في "لطائف المنن": (لا يعوِ زك وجود
الدالين، وإنما يعوزك وجود الصدق في طلبهم). جِد صدقاً تجد مرشداً.
لكِن سر الله في صِدقِ الطَّلب
١
كَم رِيءَ* في أصحابه مِِن العجب
١
*[على وزن [قيل] مبني للمجهول].
وقال في "لطائف المنن" أيضاً: (إنما يكون الاقتداء بولي دلك الله عليه، وأطلعك على ما أودعه من
الخصوصية لديه، فطوى عنك شهود بشريته في وجود خصوصيته، فألقيت إليه القياد، فسلك بك
سبيل الرشاد... الخ).
وقال ابن عطاء الله في حِكَمِهِ: سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه، ولم
يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه)["شرح شطرنج العارفين" للشيخ محمد الهاشمي التلمساني