بين المنهج/المذهب والمنهاج/الدين الخالص
لابد من التذكير بأمر مهم جداً، جداً ألا وهو أن هذة المناهج الثلاث ــ أصول الحديث؛ أًصول الدين؛ وأصول الفقه ــ مضامينها تتكون من قسمين:
ـــ القسم الأول : مصدره الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم
ـــ والقسم الثاني: مصدره البشر (علماء الحديث والعقيدة والفقه والأصول)
فأما القسم الأول فإن الأخذ به واجب، ولا خلاف بين العلماء في ذلك؛ وأما الثاني ففيه خلاف بين العلماء، لأن مضامينه اجتهادية وهي متعددة ومختلفة، فليس الأخذ بأصول بعينها من هذا القسم (الثاني) بواجب على أحد من هذه الأمة، وإنما لا حرج على من أخذ بأحدها وعـدل عن غيرها؛ وهـذا ما لا يفهمه الغلاة من السلفيين أو ما لا يريدون فهمه؛ إن الصحابة هم سلفنا الصالح في الدرجة الأولى وهم قد أخذوا "الـــمـــنــهـــاج" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أخذوا عنه أصول المنهاج الكبرى) وما عدا ذلك من الآليات فكانت تختلف من صحابي لآخر، وكلنا يعلم ان الفتاوى كانت تختلف في عصرهم رضي الله عنهم أجمعين، وهكذا ورث التابعون مناهج/مذاهب مختلفة عن الصحابة، وهم بدورهم (أي التابعون) أورثوا مناهجهم/مذاهبهم لتابعيهم، وفي عصر هؤلاء (أي عصر تابعي التابعين) بدأت تظهر المذاهب، وهي في الحقيقة مناهج مطورة لم تأت من فراغ وإنما هي نمو طبيعي لما وُرثَ عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عن التابعين ثم عن تابعي التابعين؛ وهكذا استمر فقهاء أهل السنة والجماعة يجتهدون فقهيا داخل إطار أربعة مناهج (مذاهب) طيلة 14قرنا، حتى أولئك الذين بلغوا درجة المجتهد المطلق لم يخطر ببالهم الخروج عن إطار المناهج (المذاهب) الموروثة، فالإمام الغزالي والإمام النووي وصلا إلى درجة المجتهد المطلق لكنهما ظلا يمارسان الفتوى والاجتهاد داخل المذهب الشافعي وابن تيمية وابن القيم وصلا إلى درجة المجتهد المطلق لكنهما ظلا يمارسان الفتوى والاجتهاد داخل المذهب الحنبلي والأئمة ابن العربي المالكي، والشاطبي، وابن رشد، وابن عبد البر وصلوا إلى درجة المجتهد المطلق لكنهم ظلوا يمارسون الفتوى والاجتهاد داخل المذهب المالكي، ولم يشذ عن هذا الأمر الفقهاء الأحناف أيضا؛ هكذا عاشت الأمة وهذا هو تاريخها الفقهي ؛ هذا عن أهل السنة والجماعة الذين يتمسكون بالمنهاج الموروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما سلفية آخر الزمان التي أعلنت أنها تقفز إلى عصر النبي والصحابة وتأخذ من منبع النهر ماشرة، ولا حاجة لها بمذهب من هذه المذاهب السنية الأربعة فهي في الحقيقة تمارس الفوضى الفقهية، ومنهاجها هو"اللامنهاج"، و لا يستغرب في ظل هذه الدعوة الشاذة أن يظهر أحداث الأسنان سفهاء الأحلام ويعيثوا فسادا في الأرض.