العلم اللدنى
الأحباب الاوفياء
تناسقا مع بوست بنت النيل عن نبى الله موسى وسيدنا الخضر عليهما السلام وورود العلم اللدنى اورد هنا عن العلم اللدنى والذى يتلقاه المرء من الله سبحانه وتعالى مباشرة دون معلم ودون وسيط وارجو ان ينفعنا الله بما نعلم..
قال الإمام المناوي في (فيض القدير شرح الجامع الصغير):
"«ومن تعلـم فعمل علـمه الله ما لـم يعلـم» أي العلـم اللدنـي الذي هو موهبة من الله يدرك به العبد ما للنفس من الـحظوظ والفرض وما للـحق من الـحقوق والـمفترض فـيترك ما لها من الـحظوظ ويقوم بـما للـحق من الـحقوق وهو معنى قول البعض أراد به إلهامه علـم ما لـم يتعلـم من مزيد معرفة الله وخدع النفس والشيطان وغرور الدنـيا وآفـات العمل من نـحو عجب ورياء وكبر ورياضة النفس وتهذيبها وتـحمل الصبر علـى مرّ القضاء والشكر علـى النعماء والثقة بـما وعد والتوكل علـيه وتـحمل أذى الـخـلق، وقد ثبت أن دقائق علوم الصوفـية منـح إلهية ومواهب اختصاصية لا تنال بـمعتاد الطلب، فلزم مراعاة وجه تـحصيـل ذلك وهو ثلاث:
الأوّل، العمل بما علـم علـى قدر الاستطاعة.
الثانـي: اللـجأ إلـى الله علـى قدر الهمة.
الثالث: إطلاق النظر فـي الـمعانـي حال الرجوع لأهل السنة لـيحصل الفهم وينتفـي الـخطأ ويتـيسر الفتـح،
وقد أشار لذلك الـجنـيد بقوله: ما أخذنا التصوف عن القـيـل والقال، والـمراء والـجدال؛ بل عن الـجوع والسهر ولزوم الأعمال.
قال الغزالـي: من انكشف له ولو الشيء الـيسير بطريق الإلهام والوقوع فـي القلب من حيث لا يدري فقد صار عارفاً بصحة الطريق، ومن لـم ير ذلك من نفسه قط فـينبغي أن يؤمن به فإن درجة الـمعروف فـيه عزيزة جداً. ويشهد لذلك شواهد الشرع والتـجارب والوقائع فكل حكم يظهر فـي القلب بـالـمواظبة علـى العبـادة من غير تعلـم فهو بطريق الكشف والإلهام،
وقال حجة الإسلام: يتعين أن يكون أكثر الاهتـمام بعلـم البـاطن ومراقبة القلب ومعرفة طريق الآخرة وسلوكه وصدق الرجاء فـي انكشاف ذلك من الـمـجاهدة والـمراقبة فإن الـمـجاهدة تفضي إلـى الـمشاهدة فجاهد تشاهد دقائق علـم القلوب وتنفجر منها ينابـيع الـحكمة من القلب أما الكتب فـي التعلـيـم فلا تفـي بذلك بل الـحكمة الـخارجة عن الـحصر والـحد إنـما تنفتـح بـالـمـجاهدة قال: وكم من متعلـم طال تعلـمه ولـم يقدر علـى مـجاوزة مسموعه بكلـمة وكم من مقتصر علـى الـمهم فـي التعلـم ومتوفر علـى العمل ومراقبة القلب فتـح الله له من لطائف الـحكم ما تـحار فـيه عقول ذوي الألبـاب فلذلك قال الـمصطفـى : «من تعلـم فعمل» الـخ وفـي بعض الكتب السالفة يا بنـي إسرائيـل لا تقولوا العلـم فـي السماء من ينزله ولا فـي تـخوم الأرض من يصعد به ولا من وراء البحار من يعبر يأتـي به العلـم مـحصور فـي قلوبكم تأدبوا بـين يدي بآداب الروحانـيـين وتـخـلقوا بأخلاق الصديقـين أظهر العلـم من قلوبكم حتـى يغطيكم ويغمركم ويعمركم انتهى
وقال الإمام مالك علـم البـاطن لا يعرفه إلا من عرف علـم الظاهر فمتـى علـم الظاهر وعمل به فتـح الله علـيه علـم البـاطن ولا يكون ذلك إلا مع فتـح قلبه وتنويره وقال لـيس العلـم بكثرة الرواية إنــما العلـم نور يقذفه الله فـي القلب يشير إلـى علـم البـاطن." اهـ.
(فيض القدير للمناوي - حرف العين ج4 ص507)
وقال الإمام الغزالي في (إحياء علوم الدين)
بـيان شواهد الشرع على صحة طريق أهل التصوف في
اكتساب المعرفة لا من التعلم ولا من الطريق المعتاد:
"اعلم أن من انكشف له شيء ولو الشيء اليسير بطريق الإلهام والوقوع في القلب من حيث لا يدري فقد صار عارفاً بصحة الطريق، ومن لم يدرك ذلك من نفسه قط فينبغي أن يؤمن به، فإن درجة المعرفة فيه عزيزة جداً، ويشهد لذلك شواهد الشرع والتجارب والحكايات:
أما الشواهد: فقوله تعالى: {والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فكل حكمة تظهر من القلب بالمواظبة على العبادة من غير تعلم فهو بطريق الكشف والإلهام. وقال : «مَنْ عَمِلَ بَمَا عَلِمَ وَرَّثَهُ الله عِلْمَ ما لَمْ يَعْلَمْ وَوَفَّقَهُ فِيما يَعْمَلُ حَتَّى يَسْتَوْجِبَ الجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِمَا يَعْلَمُ تَاهَ فِيما يَعْلَمُ وَلَمْ يُوَفَّقْ فِيمَا يَعْمَلُ حَتَّى يَسْتَوْجِبَ النَّارَ» ، وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} من الإشكالات والشبه. {وَيُرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} يعلمه علماً من غير تعلم ويفطنه من غير تجربة.
وقال الله تعالى: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً} قيل نوراً يفرق به بـين الحق والباطل ويخرج به من الشبهات، ولذلك كان يكثر في دعائه من سؤال النور فقال عليه الصلاة والسلام: «اللَّهُمَّ أَعْطِنِي نُوراً وَزِدْنِي نُوراً وَاجْعَلْ لِي فِي قَلْبِـي نُوراً وَفِي قَبْرِي نُوراً وَفِي سَمْعِي نُوراً وَفِي بَصَرِي نُوراً ــــ حَتَّى قالَ: فِي شَعْرِي وَفِي بَشَرِي وَفِي لَحْمِي وَدَمِي وَعِظامِي»
،وسئل عن قول الله تعالى: {أفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ للإسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} ما هذا الشرح؟ فقال: «هُوَ التَّوسِعَةُ إنَّ النُّورَ إذا قُذِفَ بهِ فِي القَلْبِ اتَّسَعَ لَهُ الصَّدْرُ وَانْشَرَحَ» ، وقال لابن عباس: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» . وقال علي رضي الله عنه: ما عندنا شيء أسره النبـي إلينا إلا أن يؤتي الله تعالى عبداً فهماً في كتابه وليس هذا بالتعلم؟ وقيل في تفسير قوله تعالى: {يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} إنه الفهم في كتاب الله، وقال تعالى: {فَفَهَّمْنَاها سُلَيْمَانَ} خص ما انكشف باسم الفهم.
وكان أبو الدرداء يقول: المؤمن من ينظر بنور الله من وراء ستر رقيق والله إنه للحق يقذفه الله في قلوبهم ويجريه على ألسنتهم. وقال بعض السلف: ظن المؤمن كهانة." اهـ.
"وقال : «اتَّقُوا فِرَاسَةَ المُؤْمِنِ فَإنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ الله تَعَالَى» ، وإليه يشير قوله تعالى: {إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ للمُتَوسِّمِينَ} وقوله تعالى: {قَدْ بَـيَّنَا الآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}
وروى الحسن عن رسول الله أنه قال: «العِلْمُ عِلمَانِ فَعِلْمٌ باطِنٌ فِي القَلْبِ فَذلِكَ هُوَ العِلْمُ النَّافِعُ» ، وسئل بعض العلماء عن العلم الباطن ما هو؟ فقال: هو سر من أسرار الله تعالى يقذفه الله تعالى في قلوب أحبابه لم يطلع عليه ملكاً ولا بشراً. وقد قال : «إنَّ مِنْ أُمَّتِي مُحَدَّثِينَ وَمُعَلَّمِينَ وَمُكَلَّمِينَ وَإنَّ عُمَرَ مِنْهُمْ» ، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نبـيَ وَلاَ مُحَدَّثٍ} يعني الصديقين والمحدث هو الملهم، والملهم هو الذي انكشف له في باطن قلبه من جهة الداخل لا من جهة المحسوسات الخارجة.
والقرآن مصرح بأن التقوى مفتاح الهداية والكشف: وذلك علم من غير تعلم. وقال الله تعالى: {وَمَا خَلَقَ اللَّهُ في السَّمَواتِ والأرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُون} خصصها بهم وقال تعالى: {هَذَا بَـيَانٌ للنَّاسِ وَهُدى ومَوْعِظةٌ لِلْمُتَّقِينَ}
وكان أبو يزيد وغيره يقول: ليس العالم الذي يحفظ من كتاب فإذا نسي ما حفظه صار جاهلاً، إنما العالم الذي يأخذ علمه من ربه أي وقت شاء بلا حفظ ولا درس. وهذا هو العلم الرباني وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} مع أن كل علم من لدنه ولكن بعضها بوسائط تعليم الخلق فلا يسمى ذلك علماً لدنيا بل اللدني الذي ينفتح في سر القلب من غير سبب مألوف من خارج فهذه شواهد النقل ولو جمع كل ما ورد فيه من الآيات والأخبار والآثار لخرج عن الحصر." اهـ.