بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين
الله تعالى منزّه عن الجهة والمكان وكلّ صفات الخلق من الجلوس والتغيّر والحركة والسكون
قال تعالى ﴿سَـبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾ وقال تعالى حكاية عن حالِ سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام ﴿قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلى﴾، وكثيرٌ مِنّا سَمِعَ بالقصة التي جاءت يومَ نَزَلَ الصحابة في معركة أُحُد عن جبل الرماة ظَنًّا منهم أن المعركة انتهت، حينئذٍ حصلت مَقْتَلةٌ في المسلمين ونادَى أبو سفيان فقال “اعْلُ هُبَل” فرَدَّ الصحابة رضوان الله عليهم ” الله أعلَى وأَجَلُّ ” ذَكَر القِصةَ كاملةً الإمامُ البخاري وغيره.
فمن يتأمَّل هذه الآيات والقصة يَجِدْ أقوى دليل على أن العُلُوّ المذكورَ لا يُفَسَّرُ بعلو المكان ولكن بعلو المكانة والقهر والغلبة فنحن نقول في سجودنا: ” سبحان رَبِّيَ الأعلَى ” معناه سبحان ربي الذي هو أعلى مِن كلِ شىءٍ قَدْرًا ومَكانةً، سبحانه وتعالى، وليس المعنى أن الله تبارك وتعالى عالٍ بالمكان والحَيّز والجهة. وإليكم ما يقول القرطبي في تفسيره المسمى “الجامع لأحكام القرءان”. هذا القرطبي توفي سنة 671هـ. في هذا الكتاب يقول ” ووصفه تعالى بالعلو والعظمة، لا بالأماكن والجهات والحدود، لأنها صفات الأجسام، وإنما ترفع الأيدي بالدعاء إلى السماء، لأن السماء مهبط الوحي، ومنزل القطر، ومحل القدس، ومعدن المطهرين من الملائكة، وإليها ترفع أعمال العباد، وفوقها عرشه وجنته، كما جعل الله الكعبة قبلة للدعاء والصلاة، ولأنه خلق الأمكنة وهو غير محتاج إليها، وكان في أزله قبل خلق المكان والزمان ولا مكان له ولا زمان، وهو الآن على ما عليه كان “. انتهى كلام القرطبي.
وقد أصدرت مجلة الأزهر، وهي مجلة دينية علمية تصدرها مشيخة الأزهر، في المحرم سنة 1357 هـ في تفسير سورة الأعلى، ص 16 و17 ” والأعلى صفة الرب، والمراد بالعلو العلو بالقهر والاقتدار، لا بالمكان والجهة، لتنزهه عن ذلك، واعلم أن السلف قائلون باستحالة العلو المكاني عليه تعالى خلافا لبعض الجهلة الذين يخبطون خبط عشواء في هذا المقام فإن السلف والخلف متفقان على التنزيه ” انتهى.
وأصدرت دار الإفتاء المصرية بيانا عاما تحت رقم 2514 لسنة 2005 تحث المسلمين على الثبات على العقيدة السنية، ومما جاء في البيان ” من ثوابت العقيدة عند المسلمين أن الله تعالى لا يحويه مكان ولا يحده زمان، لأن المكان والزمان مخلوقان، وتعالى الله سبحانه أن يحيط به شىء من خلقه، بل هو خالق كل شيء وهذا الاعتقاد متفق عليه بين المسلمين، وقد عبر عن ذلك أهل العلم بقولهم: “كان الله ولا مكان، وهو على ما كان قبل خلق المكان، لم يتغير عما كان” وأما ما ورد في الكتاب والسنة من النصوص الدالة على علو الله عز وجل على خلقه فالمراد بها علو المكانة والشرف والهيمنة والقهر، لأنه تعالى منزه عن مشابهة المخلوقين. وعقيدة الأزهر الشريف هي العقيدة الأشعرية وهي عقيدة أهل السنة والجماعة ” انتهى بيان دار الإفتاء المصرية.
والحمد لله رب العالمين