بسم الله الرحمن الرحيم
و الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الطاهر الأمين و بعد،
يوجد قاعدة في علم الحديث وهي أنّ من شرط الحديث حتى يكون صحيحا أن يكون راوية من العدول الضابطين وليس فيه شذوذ ولا علة و أن يكون هذا الحديث لا يعارض نصا قرءانيًّا ولا يعارض نصاً حديثيا متفقاً عليه وليس فيه ركاكةٌ من حيث اللغة العربية، هذا من شرط اعتبار الحديث. فحديث جابر معارض للحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم « كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُن شَيءٌ غَيْرَهُ وكان عرشهُ على الماء … » رواهُ البُخاريُّ والبيْهَقِيُّ وغيرُهُما، هذا الحديثُ صريحٌ في أنَّ الله وحدَهُ كانَ في الأَزَلِ وَلَمْ يَكُن سِواهُ، وأن أول ما خلق الله الماء.
و معارض للآية ﴿ قُلْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثلُكُمْ ﴾ [سورة الكهف ءاية 110] معناه أن الرَّسول عليه السلام خلق من نطفة أبويه. وهذه الآية ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً ﴾ [سورة الفرقان ءاية 54] دليلٌ واضح أنَّ البشَرَ خلق منَ الماءِ والرَّسول بَشَرٌ.
الحديث الموضوع نور نبييك يا جابر رواه شخص يقال له العجلون هذا ليس من الحفاظ و حكم عليه الحفاظ بالوضعِ. الحافظ السيوطي حكم عليه بأنه غير صحيح و الحافظ أحمد الغُماري المغربي كان من، الحفاظ قال : « هذا الحديث موضوع وجدير بأن يكون موضوعاً لأنه مخالف للنص الصحيح ولأن فيه ركاكة والرسول عليه الصلاة والسلام لا يتكلم بكلام ركيك ».
فالركاكة ظاهرة في اللفظ لأنه يقول ( أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ) ما معنى هذا ؟ معناه على زعمه أول شيء خلقه الله هو نور النبي. ثم يقول ( خلقه الله من نوره قبل الأشياء ) فيكون المعنى على زعمه أنه يوجد نور خلق قبل نور محمد حتى يخلق منه نور محمد، لإنّه إنْ أُرجع ( من نوره ) إلى إضافة الملكية أي إنه خلق من نور خلقه الله ، معنى ذلك إن نور محمد ليس هو أول ما خلق الله بل أول ما خلق الله نوراً خلق منه نور محمد فهذا فيه تكذيب للجملةِ الأولى ( أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ) فهذه ركاكة ظاهرةٌ لا يجوز على رسول الله أن يتكلم بها صلى الله عليه وسلم. ولا يجوز على رسول الله صلى الله عليه وسلم التناقض في الكلام و لا يجوز في كلام الرسول أن يكون معارضاً للقرءان. فهذا الحديث (نور نبييك يا جابر) موضوع مكذوب.
حديث “أولُ ما خَلَقَ الله نورُ نبيك يا جابر، خلقه الله من نوره قبل الأشياء” ركيك، والركاكةُ قال علماءُ الحديثِ إنها دليلُ الوضعِ، لأنَّ الرسولَ لا يتكلمُ بكلام ركيك المعنى.
والركاكة في هذا الحديث لأنَّ الجملة الأولى: أولُ ما خلقَ الله تعالى نورُ نبيك يجعلُ نورَ النبي أول العالم والمخلوقاتِ على الإطلاق. ثم هذه الجملةُ خلقَه اللهُ من نورِه قبلَ الأشياءِ، إن اعتُبر أنَّ المعنى من نوره أي نور مخلوق لله على أنَّ الإضافةَ إضافةُ مِلك ليست إضافةَ صفةٍ إلى موصوفٍ، يكون المعنى أنّ أولُ المخلوقات ذلك النورُ ليس نورَ محمد فهذا يناقض الجملة الأولى، لأنّ الجملة الأولى تدل على أنَّ نور محمد أول المخلوقات على الإطلاق، وهذه الجملة “خلقه الله من نوره قبل الأشياء” تدل على أنَّ أولُ المخلوقات نورٌ خُلِقَ منه نورُ محمد متأخراً عن ذلك النور في الوجود.
وأما إن اعتُبرت الإضافة التي في نوره إضافةُ الصفة إلى الموصوف، فيكون المعنى أنَّ سيدنا محمداً جزءٌ من صفة الله وهذا إثباتُ البعضية لله، والله تعالى منزهٌ عن البعضية والتركيب والتجزؤ، وذلك كُفْرٌ (أي إثبات البعضية لله)، فيكون على التقدير الثاني إثبات التبعض لله وذلك ينافي التوحيد، لأنَّ الله واحد ذاتاً وصفاتا، فلا تكون صفاته صفةً لغيره، بل صفاته ثابتةٌ له تعالى، ولا تكون أصلاً لغيرها، كما قرر علماء التوحيد في مؤلفاتهم.
ثم إنَّ هذا الحديثَ يعارضُ حديثين صحيحين أحدهما حديث أبي هريرة الذي أخرجه ابن حبان، قال أبو هريرة: قلتُ يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني فأنبئني عن كل شىء. قال: « إنَّ الله تعالى خلق كلّ شىء من الماء ».
فكان سؤال أبي هريرة عن أصل العالم الذي خلقت منه المخلوقات فأجاب الرسولُ بأنه الماءُ، وهذا الحديث أخرجَه ابنُ حبان وصححه.
والحديث الآخر حديث جماعةٍ من أبناء الصحابة عن ءابائهم عن رسول الله: « إنَّ الله تعالى لم يخلق شيئاً مما خلق قبل الماء ». أورده الحافظُ ابن حجر على أنه صحيحٌ أو حسنٌ عنده، وذلك في شرحه البخاري في كتاب التوحيد عندَ ذكرِ حديث: « كان اللهُ ولم يكن شىءٌ غيره وكان عرشه على الماء » وهذا الحديثُ حديثُ : « كان الله ولم يكن شىء غيرُه وكان عرشه على الماء » يصحُّ أن يُعَدّ حديثاً ثالثاً للدلالة على أنَّ الماء هو أولُ العالم.
ثم إنه ليس الفضلُ في تقدم الوجود، أي وجود الخلق بعضهِ على بعضٍ، بل الفضلُ بتفضيلِ اللهِ، فالماء مع ثبوت أوّليته لا يقال إنه أفضل المخلوقات وأما الرسول عليه السلام فهو أفضل المخلوقات من غير أن يكون أولَ المخلوقات، لا جسمه ولا نورُهُ، فالأمُر كما قال البوصيريُّ :
فمبلغُ العلمِ فيه أنه بشر وأنه خيرُ خلق اللهِ كلّهم
ويلتحق بهذا الحديثِ الموضوعِ ما يقوله بعض المؤذنين في بلاد الشام عقِب الأذان بصوتٍ عال “الصلاة والسلام عليك يا أول خلق الله ويا خاتم رسل الله”. فلو قالوا “الصلاة والسلام عليك يا خاتم رسلِ الله”، كان صواباً.
ومن الباطل المخالف للنص القرءاني والحديثي قولُ بعض المنشدين المصريين “ربي خلق طه من نور” لأنَّ هذا ظاهرُ المخالفة لقوله تعالى ﴿ قُلْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثلُكُمْ ﴾ [سورة الكهف ءاية 110] مع قوله تعالى ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً ﴾ [سورة الفرقان ءاية 54].
والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ