قد سعى بالجنيد وأصحابه للسلطان وأتى بهم للسيف ثم لطف الله بهم وقصتهم أن فقهاء بغداد قالوا للمتوكل أن الجنيد قد تزندق هو وأصحابه فقال لهم الملك وكان يميل إلى الجنيد يا أعداء الله ما أردتم إلا أن تفنوا أولياء الله من الأرض واحدا بعد واحد قتلتم الحلاج وأنتم ترون له كل يوم عبارة ولا تزدجرون وهذا الجنيد لا سبيل لكم إليه حتى تغلبوه بالحجة فاجمعوا له الفقهاء واعملوا له مجلسا فإن أنتم غلبتموه وشهد الناس بأنكم غالبون عليه قتلته وأن هو غلبكم والله للأمشين عليكم بالسيف حتى لا نبقى منكم أحدا على الأرض قالوا نعم فجمعوا له الفقهاء من الشام واليمن والعراق والأمصار فلما اجتمع الفقاء في ذلك حتى لم يبق في الجوانب الأربع من يعرف مسئلة في دينه الاحضر فلما اجتمع الفقهاء في المجلس بعث الملك إليه فأتى هو وأصحابه إلى باب القصر فدخل الجنيد وترك أصحابه وأدى حق الخليفة يعني من التعظيم وقعد فقام إليه أحد الفقهاء يسئله في مسئلة فسمعه القاضي على بن أبي ثور فقال لهم تسألون الجنيد فقالوا نعم فقال لهم أفيكم من هو أفقه منه فقالوا لا فقال يا عجبا هو أفقه منكم في علمكم وقد تقه في علم تنكرونه عليه يعني ولا تعرفونه فكيف تسئلون رجلا لا تدرون ما يقول فبهت القوم وسكتوا زمانا ثم قالوا ما العلم يا قاضي المسليمن فأشر بما شئت فنصنع فأمرك مطاع قال فرد القاضي وجهه إلى الأمير وقال له اترك الجنيد واخرج إلى أصحابه صاحب سيفك وهو الوليد بن ربيعة ينادي فيهم من يقوم إلى السيف فأول من يقوم إليه نسأله فقال الملك يرحمك الله لم ذلك تروع القوم ولم تظهر لكم حجة لا يحل لنا ذلك فقال القاضي يا أمير المؤمنين أن الصوفية يحبون الإيثار على أنفسهم حتى بأنفسهم فأذن من ينادي أيكم يقوم للسف فالرجل الذي يقوم مبادرا إلى السيف هو أكثر الناس جهلا وأكثرهم صدقا لله عن وجل فيقوم يؤثر أصحابه بالعيش بعده فإذا قد نزلت مصيبة عظيمة لا ندري لمن يقع النجاة منها فإنه أن قتل الجنيد نولت داهية في الإسلام فإنه قطب الإيمان في عصرنا وأن قتل العلماء والفقهاء فهي مصيبة عظيمة فقال له الأمير لله درك لقد أصبت ثم عطف على الوليد وقال افعل ما يقول لك القاضي فخرج الوليد وهو مقلد سيفه فوقف على المريدين وهم مائتان وسبعون رجلا فعودا ناكسين رؤوسهم وهم يذكرون الله فنادي فيهم أفيكم من يقوم إلى السيف فقام إليه رجل يقال له أبو الحسن النوري فقال الوليد ما رأيت طائرا أسرع منه فوثب قائما بين يدي فعجبت من سرعة قيامه فقلت با هذا أعلمت لما قمت فقال نعم ألم تقل أفيكم من يقوم للسيف فقلت له نعم فقال ولم قمت قال علمت أن الدنيا سجن المؤمن فأحببت أن أخرج إلى دار الفوز وأن أؤثر أصحابي على بالعيش ولو ساعة ولعى أقتل فيطفي الشربيي فيسلم جميعهم ولا يقتل أحد غيري قال الصاحب فعجبت من فصاحته فقلت أجب القاضي فتغير لونه وسالت عبرته على خده فقال أو دعاني القاضي قلت نعم دعاك قال فحقا على إجابته فدخلت وهو معي فأخبرت الملك والقاضي بقصته فتعجبا منه وسأله القاضي عن مسئلة غميضة فقال من أنت ولم خلقت وما أراد الله بخلقك وأين هو ربك منك فقال ومن أنت الذي تسئلني فقال أنا قاضي القضاة فقال له إذا لا رب غيرك ولا معبود سواك أنت قاضي القضاة وهذا يوم الفصل والقضاء والناس قد حشروا ضحي فأين النفخة في الصور التي قال الله فيها ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله أنا ممن صعق أم أنا ممن شاء الله الذي لم أشهد النفخ فبهت القاضي زمانا وقال يا هذا جعلت منى إلها قال معاذ الله بل أنت تألهت حيث تسميت بقاضي القضاة وليس قاضي القضاة إلا القاضي الذي يقضي ولا يقضي عليه أضافت عليك الأسماء أما كفاك قاضي المسلمين أو أحد الفقهاء أم أحد من عباد الله حتى تسميت بقاضي القضاة إذا استكبرت أن تقول أنا على ابن أبي ثور فما زال يقرعه حتى بكي القاضي وهم أن تزهق نفسه وبكى الملك لبكائه وبكى الجنيد فقال لتلميذه اقصر من عتابك للقاضي فقد قتلته فخل سبيله فلما أفاق القاضي قال يا أبا الحسن اجبني عن مسئلني وأنا أتوب إلى الله بين يديك فقال اذكر مسئلتك فإني نسيتها فأعاد مسئلته فنظر عن يمينه وقال أتجاوبه ثم قال حسبي الله ثم فعل عن يسارة مثل ذلك ثم نظر أمامه وقال أتجاوبه ثم قال الحمد لله ثم رفع رأسه إلى القاضي وقال له أما قولك يرحمك الله من أنت فأنا عبد الله لقوله تعالى أن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا وأما قولك لما ذا خلقت فكان الله كنز إلا يعرف فخلقتني لمعرفته قال تعالى وما خلفت الجن والأنس إلا ليعبدون أي ليعرفون كذا قال ابن عباس وغيره وأما قولك ما أراد الله بخلقي فما أراد بي إلا كرامتي قال تعالى ولقد كرمنا بني آدم وأما قولك أين ربك منك فهو مني حيث أما منه لقوله تعالى وهو معكم أينما كنتم فقال اخبرني كيف هو معك ومعنا في قوله وهو معكم أينما كنتم قال هو معنا كيف ما كنا معه فإن كما معه بالطاعة كان معنا بالعون والهدى إليه وإن كنا معه بالغفلة كان معنا بالمشيئة وأن كنا بالمعصية كان معنا بالمهلة وأن كنا بالتوبة كان معنا بالقبول وإن كما بالترك كان معنا بالعقاب قال صدقت فأخبرني أين هو مني فقال أخبرني أين أنت من ع أعلمك أين هو منك قال صدقت با علي فيما قلت ولكن أخبرني بمسئلة ثانية قال وما هي قال لم ملت عن يمينك حين سألتك قال أعو الله الفقيه أن المسئلة التي سألتني عنها لم يكن عندي فيها جواب لأنني ما سئلت فيها قط ولا سمعتها فلما سأتلني عنها لم يكن عندي ما أخبرك به فيها فسألت الملك الكريم الذي يكتب في اليمين فقلت له أنجاوبه أنت فقال لي لا علم لي فقلت حسبي الله وفوضت أمري إلى الله فقال وعن شمالك فقال كذلك فقال وأمامك فقال سألت قلبي فقال عن سره عن ربه ما أجبتك به فقلت الحمد لله شاكرا على الهداية ومقرا له بالعجز عن إدراك النهاية فقال له يا هذا الآن قد صح عندي حمقك وثبت عندي كفرك وزندقتك فما تريد أن أفعل بك وبأي قتلة تريد أن أقتلك فقال له وما الذي تريدان تفعل بي وأنت قاضي القضاة أن كنت تقضي ولا يقضي عليك فاقض بما شئت وأي فعل لك فقال له أن القاضي المقتضى بما يقضي به أو نقضي بما يقضي به فقال له أو فهمت خطاب عن القاضي الذي يقضي ولا يقضي عليه قال له وما هو قال قوله تعالى فاليوم لا تظلم نقفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعلمون فقال له وما تريد أنت اقض بما شئت الآن طبت وطابت نفسي على لقاء ربي فعند ذلك رد القاضي رأسه إلى المتوكل وقال له يا أمير المؤمنين اترك هؤلاء فأن كان هؤلاء فإن كان هؤلاء زنادقة فليس على وجه الأرض مسلم هؤلاء مصابيح الدين ودعائهم الإسلام وهؤلاء المؤمنون حقا عباد الله المخلصون فعند ذلك عطف الملك على الجنيد وقال يا أبا القاسم هؤلاء الفقهاء ما جمعوا لك هذا المجلس العظيم واستعدوا لمناظرتك إلا ليقتلوك لو غلبوك والآن أنت الغالب عليهم وأنا آليت على نفسي أن أنت غلبتهم أن أمشي عليهم السيف فأما أن تعفو عنهم وأما أن يموت فقال العياذ بالله يا سيدي أن يموت أحد منهم بسببي عفا الله عنا وعنهم ولا أخذ عليهم في إنكارهم علينا لأنهم ما ساقهم لذلك إلا الجهل وقلة العلم بما طلبوا عفا الله عنا وعنهم فانحل المجلس على سلام ولم يمت فيه أحد والحمد لله ثم عطف القاضي على النوري وقال له يا علي أعجبني حالك والله شهيد أني أحبك ولكن أسئلك سؤال رجل مسترشد فارشدني يرحمك الله فقال سل عما بدا لك فإن كان عندي جواب أخرتك وإلا قلت لك لا علم لي ولا يعظم ذلك على ثم سأله عن مسائل عديدة..