أدله التوسل بالأحياء والأموات من الكتاب والسنة وأقوال العلماء
قبلَ الخوض في الأدله نذكر بعض أقوال أشد من الفاظ التوسل والاستغاثة التي ينكرها البعض جهلا وتجاهلا وهذه الأقوال في حد ذاتها توسل واستغاثه بالنبي صلى الله عليه وسلم وهي تدخل في صلب الادله وهي فيض من غيض وإن كان يتسع المقام لذكرنا المئات من هذه الأحاديث
اولا- أقوال أشد من الفاظ التوسل والاستغاثة.
1- أعوذ برسول الله
اخرج الإمام مسلم عن أبن مسعود( أنه كان يضرب غلاما فجعل يقول"أعوذ بالله قال:فجعل يضربه فقال:أعوذ برسول الله: فتركه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم<والله,لله أقدر عليك منك عليه قال فاعتقه> أخرجه الإمام مسلم ٣\1281 حديث ابن مسعود أعوذ برسول الله منك
٢- أخرج قصة عاد الثانية أحمد بإسناد حسن عن الحارث بن حسان البكري قال: »خرجت أنا والعلاء بن الحضرمي إلى رسول الله . الحديث وفيه- فقلت: أعوذ بالله وبرسوله أن أكون كوافد عاد، قال وما وافد عاد؟ وهو أعلم بالحديث ولكنه يستطعمه )
ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري وقال الإسناد حسن الفتح (٨/٥٧٩
مسند أحمد ح (١٥٩٩٦) (٣/٤٨٢).
عن عاشه رضي الله عنها قالت
( بعثت صفية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام,قد صنعته له وهو عندي فلما رأيت الجارية أخذتني رعدة حتى استقبلتني فضربت القصعة فرميت بها قالت:- فنظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفت الغضب في وجهه فقلت:أعوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلعنني اليوم) لخرجه الإمام أحمد 6\277 وقال الهيثمي في المجمع ٤\٣٢١ رواه أحمد ورجاله ثقات
وفي الأحاديث السابقة وردت الاستعاذة بالنبي صلى الله عليه وسلم
فهل يقال إن هذا القول كفر وشرك وهل الصحابه كانوا لا يعلمون مدلول الألفاظ
التي تنطقها ألسنتهم؟؟؟
فهنا يظهر جليا أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن القائلين يعلمون الفرق بين الألفاظ إذا أطلقت في حق المولى سبحانه وتعالى وإذا أطلقت في حق المخلوقات فهي من الله ابتداء واستقلالا ونفعا وضرا ومن العبيد والخلق تسببًا.
٢- الشكاوى المختلفة للنبي صلى الله عليه وسلم
وعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه أنه شكا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم النسيان لما يسمعه من حديثه الشريف وهو يريد أن يزول عنه ذلك فقال رضي الله عنه : يا رسول الله : إني أسمع منك حديثا كثيرا فأنساه فأحب أن لا أنسى فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أبسط ردائك فبسطه فغرف يديه فيه ثم قال: ضمه فضمه قال أبو هريرة فما نسيت حديثا بعد وفي رواية فما نسيت شيئا قط»
أخرجه البخاري (٣٦٤٨) والترمذي (٣٨٣٥).
وعدم النسيان من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله وحده ورغم هذا لم ينكر عليه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأجابه إلى مطلبه فهذا توسل منه رضي الله عنه بذات سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومكانته عند الله لا بدعائه فحسب لأنه لم يرد أنه دعا له وإنما اغترف له من الهواء وألقاه في ثوبه وأمره بضمه إلى صدره وهذا دليل منه رضي الله عنه على جواز سؤال مثل هذه الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله من غير الله تعالى، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل له لا تسألني وسل من هو أقرب إليك مني بل أجابه إلى مطلبه وقضيت حاجته باللحظة التي ضم فيها الرداء إلى صدره
٣- المفزع إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
عن عمرو ابن العاص قال" كان فزع بالمدينة فأتيت على سالم مولي أبي حذيفة وهو محتب بحمائل سيفه,فأخذت سيفا فاحتبيت بحمائله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم<< يا أيها الناس ألا كان مفزعكم إلى الله ورسوله-ثم قال- ألا فعلتم كما فعل هذان الرجلان المؤمنان")
أخرجه ابن أبي شيبه ٧\٤٠٠
والطحاوي في شرح معاني الآثار 3\312
4- ما وصف حسان به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:
يا ركن معتمد وعصمة لائذ وملاذ منتجع وجـار مجاور
فوصفه لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ركن المعتمدين وعصمة اللائذين وملاذ القاصدين وجار المستجيرين لم يكن يقصد به أنه عليه الصلاة والسلام يشارك الباري في تلك الصفات بل هي لله بالأصالة وعلي الحقيقة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سبب فيها من باب الإسناد المجازي
٥- ليس لنا إلا إليك يا رسول الله فرارنا
عن انس بن مالك قال:- أتي أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أتيناك ومالنا صبي يغط ولا بعير يئط.
أَتَيْنَاكَ وَالعَذْرَاءُ يُدمى لبَابُهَا
وأَلقَى بِكَفَّيهِ الفَتَى لاسْتِكَانَةٍ
ولا شَيْءَ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ عِنْدَنَا
ولَيْسَ لَنَا إِلا إِلَيْكَ فِرَارُنَا
وَقَدْ شُغِلَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ عَنِ الطِّفلِ
مِنَ الْجُوعِ ضعْفاً مَا يَمُرُّ وَلا يحلِي
سِوَى الْحَنْظَلِ اَلْعَامِي وَالعَلْهَزِ الفَسْلِ
وَأَيْنَ فِرَارُ النَّاسِ إِلا إِلى اَلرُّسُل
فقام صلى الله عليه وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبر فرفع يديه إلى السماء ثم قال: اللهم اسقنا غيثا مريعا غدقا طبقا نافعا غير ضار عاجلا غير رائت تملأ به الضرع فضحك ? حتى بدت نواجذه ثم قال: لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت عيناه، مَن ينشدنا قوله؟ فقال على يا رسول الله كأنك تريد قوله:
وأَبيَضُ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ
تُطِيفُ بِهِ اَلْهُلَّاك مِنْ آلِ هَاشِمٍ
ثَمَّال اليَتَامَى عِصمَةٌ لِلأَرَامِلِ
فَهُم عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ.
وهنا استغاثة بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم والوجه تارة يأتي بمعنى الذات ومرة بمعنى الجاه.
(أخرجه البيهقي في الدلائل
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني إسناده ضعيف لكنه يصلح للمتابعة ج ٢ ص ٤٩٥
وذكره ابن هشام في زوائده في السيرة تعليقا عمن يثق به
وذكره محمد خليل الخطيب في الوسيلة ص ٧٣
6- تعظيم النبي لعمه
عن هشام بن عروة قال" أخبرني أبي أن عائشة قالت له: يا ابن أختي لقد رايت من تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أمرا عجيبا" أخرجه الإمام أحمد 6\118
وأبو يعلي ٨\٣٥٣
إذا ليس كل تعظيم عبادة كما يقول المتنطعون ؟
وينبغي أن يفطن المرء إلى هذه الألفاظ وأن ليس بها شرك كما يدعي البعض
وكما ذكر الدكتور عمر عبد الله كامل في مجموعته مفاهيم يجب أن تصحح
(وينبغي أن يتفطن إلى أن ما يطلق على الخالق والمخلوق من الصفات كالرأفة والرحمة والوجود والعلم والهداية والشفاعة في قوله تعالى:
( قل لله الشفاعة جميعا)
مع قوله صلى الله عليه وسلم : »أعطيت الشفاعة«
لا يشتبه على الواعي.
إذ إن مدلولات الألفاظ حين تطلق على الخالق تختلف عن مدلولاتها إذا أطلقت على الخلق من حيث الكمال والكيفية والخلق والتسبب اختلافًا كليًا.
فتطلق على الإله بما يناسب مقام الحق. وإذا وصف المخلوق بشيء منها فيكون متصفًا بما يناسب البشرية محدودة ومخلوقة ومكتسبة بإذن الله وفضله وإرادته لا بقوة المخلوق أو تدبيره أو أمره وإنما منّ الله بها على المخلوق قوة وضعفا على ما شاء الله وأراد فلا يرفع المخلوق وصفه بها
أولا:- ليس المقصود بهذه الألفاظ المقارنة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ربه بل هي مقارنة بين الخلق بمعنى أنه ليس في الخلق من هو أولى من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يلاذ به ويلجأ إليه ويفزع إليه عند الشدائد ليقوم بالتوسل عند ربه في كشفها مثل ما يكون عليه الحال في يوم الهول العظيم حيث لا يجد الأنبياء والخلائق ملجأ إلا في رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفع لهم في كشف كربهم حيث يقول: «أنا لها» ويشفع.
ثانيًا: ليس في المسلمين إطلاقا من يعتقد لأحد فعلا أو تركًا أو رزقًا أو نصرًا أو أحياءً أو إماتةً فحسن الظن بهم- وهو ما أُمرنا به- حمل مثل تلك الألفاظ على المجاز كله لله خلقا وإيجادا أصالة وما نسبتها إلى المخلوق ممن أكرمه الله بحصولها علي يده إلا لأنه هو المتسبب فيها بدعائه لربه وشفاعته عنده.
فليس معنى طلب شيء من المستغاث به عند المسلم إلا الطلب منه بأن يسأل الله تعالى ويشفع عنده بقضاء الحاجة.
وحمل هذه الألفاظ على حقائقها دون اعتبار لقرينة توحيده هو ظلم كبير وخطأ فاحش.)