مفهوم البدعة عند أهل السنة والجماعة
ما هي البِدعة ؟
البِدعة بكسر الباء : لغة : هي ما أحدث على غير مثال سابق فقوله تعالى { بديع السماوات والأرض } يعني إحداثاً لهما على غير مثال سابق ، و شرعا : المُحْدث الذي لم يَنُصَّ عليه القرآن الكريم ولا السنة .
ما هي أقسام البِدعة ؟
تنقسم البدعة من حيث الحديث إلى قسمين :
القسم الأول : البدعة الحسنة وتسمى السنة الحسنة وهي المحْدث الذي يوافق القرآن الكريم والسنة النبوية .
القسم الثاني : البدعة السيئة وتسمى السنة السيئة وهي المحْدث الذي يخالف الكتاب والسنة .
ما هو دليل هذا التقسيم ؟
دليل هذا التقسيم
حديث جَرير بن عبد الله البَجَليّ رضي الله عنه الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه قوله صلى الله عليه وسلم مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ . وسن بمعنى أحدث
روى أحمد والبزّار والطبراني في الأوسط بإسناد حسن عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سن خيرا فاستنّ به كان له أجره ومن أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئا ومن سنّ شرا فاستنّ به كان عليه وزره ومن أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم شيئا ".
روى الإمام البخاري في صحيحه عن السيدة عائشة رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ .
فمن احدث ما يخالف الدين فهو مردودٌ ومن احدث ما يوافقه فهو مقبول أخذاً بمفهوم المخالفة وهو من احدث في أمرنا هذا ما هو منه فهو مقبول .
قال ابن رجب رحمه الله : هذا الحديث يدل بمنطوقه على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع ، فهو مردود ، ويدل على أن كل عمل عليه أمره ، فهو غير مردود اهـ .
وتنقسم البدعة من حيث أصول الفقه إلى خمسة أقسام تبعا لأقسام الحكم ألتكليفي :-
القسم الأول : البدعة الواجبة
كحفظ العلوم بالتدوين والرد على الملاحدة والقدرية والجبرية والمرجئة والمجسمة والخوارج والروافض والنواصب بإقامة الأدلة .
القسم الثاني : البدعة المحرمة
منها مذاهب أهل البدع القدرية والجبرية والمرجئة والمجسمة والخوارج والروافض والنواصب والرد عليهم من البدع الواجبة .
القسم الثالث : البدعة المندوبة
منها إحداث الدور العلمية والمدارس وإقامة المحافل الدينية وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول .
القسم الرابع : البدعة المكروهة
كزخرفة المساجد وتزويق المصاحف .
القسم الخامس : البدعة المباحة
منها التوسع في اللذيذ من المآكل والمشارب والملابس والمساكن .
وهذه بعض أقوال العلماء الأصوليين في تقسيم البدعة :-
1- الإمام المجتهد محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى المتوفى سنة 204هـ :
قال الشافعي: المحدثات من الأمور ضربان : أحدهما : ما أحدث يخالف كتاباً ، أو سنة ، أو أثراً ، أو إجماعا ً، فهذه البدعة الضلالة . والثانية : ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا ، وهذه محدثة غير مذمومة . وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان : « نعمة البدعة هذه » يعني أنها محدثة لم تكن ، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى . وإسناده صحيح . وأخرجه من طريق آخر : أبو نعيم في حلية الأولياء قال الشافعي : البدعة بدعتان بدعة محمودة ، وبدعة مذمومة ، فما وافق السنة فهو محمود ، وما خالف السنة فهو مذموم . واحتج بقول عمر بن الخطاب في قيام رمضان « نعمة البدعة هذه » . وقد نقل الشيخ ابن تيمية قول الإمام الشافعي في كتابه موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول .
2- الإمام العز بن عبد السلام الشافعي رحمه الله ، المتوفى سنة 660 هـ :
قال العز بن عبد السلام : البدعة فعل ما لم يعهد في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي منقسمة إلى بدعة واجبة ، وبدعة محرمة ، وبدعة مندوبة ، وبدعة مكروهة ، وبدعة مباحة ، والطريق في معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة : فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة ، وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة ، وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة ، وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة .
3- الإمام الغزالي رحمه الله المتوفى سنة 505هـ :
قال حجة الإسلام الإمام الغزالي : البدعة قسمان : بدعة مذمومة وهي ما تصادم السنة القديمة ويكاد يفضي إلى تغييرها . وبدعة حسنة ما أحدث على مثال سبق. انتهى. وقال الإمام الغزالي رحمه الله في الإحياء أيضاً : وما يقال إنه أبدع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس كل ما أبدع منهياً عنه ، بل المنهي عنه بدعة تضاد سنة ثابتة وترفع أمراً من الشرع مع بقاء علته ، بل الإبداع قد يجب في بعض الأحوال إذا تغيرت الأسباب . اهـ .
4- الإمام المحدِّث عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي رحمه الله ، المتوفى سنة 597 :
قال ابن الجوزي : البدعة عبارة عن فعل لم يكن فابتدع ، والأغلب في المبتدعات أنها تصادم الشريعة بالمخالفة وتوجب التعالي عليها بزيادة أو نقص، فإن ابتدع شيء لا يخالف الشريعة ، ولا يوجب التعالي عليها فقد كان جمهور السلف يكرهونه، وكانوا ينفرون من كل مبتدع وإن كان جائزاً، حفظاً للأصل وهو الإتباع ، وقد قال زيد بن ثابت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما حين قالا له : اجمع القرآن . كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال ابن الجوزي : إن القوم كانوا يتحذرون من كل بدعة وإن لم يكن بها بأس لئلا يحدثوا ما لم يكن، وقد جرت محدثات لا تصادم الشريعة ولا تتعارض معها، فلم يروا بفعلها بأساً مثل جمع عمر الناس على صلاة القيام في رمضان فقال : نعمت البدعة هذه . اهـ .
5- الإمام ابن الأثير رحمه الله :
قال ابن الأثير رحمه الله: البدعة بدعتان: بدعة هدى وبدعة ضلال. فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو في حيز الذم والإنكار ، وما كان واقعاً تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه أو رسوله فهو في حيز المدح، وما لم يكن له مثال موجود كنوع من السخاء والجود وفعل المعروف فهو من الأفعال المحمودة، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل له في ذلك ثواباً فقال من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها.. وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم.
6- الإمام الحافظ محيي الدين النووي رحمه الله المتوفى سنة 676هـ :
بَدَعَ : البدعة ، بكسر الباء ، في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة ، قال الشيخ الإمام المجمع على إمامته وجلالته وتمكنه في أنواع العلوم وبراعته ، أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله ورضي عنه في آخر كتاب القواعد : البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة . قال : والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فمحرمة، أو الندب فمندوبة ، أو المكروه فمكروهة أو المباح فمباحة ، وللبدع الواجبة أمثلة ثم ساق كلام الإمام العز كاملاً كما تقدم .ثم قال : وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الشافعي رضي الله عنه قال : المحدثات من الأمور ضربان : أحدهما ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً فهذه البدع الضلالة ، والثانية ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من العلماء وهذه محدثة غير مذمومة وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان : نعمت البدعة هذه يعني أنها محدثة لم تكن وإذا كانت ليس فيها رد لما مضى . هذا آخر كلام الشافعي رضي الله تعالى عنه .
7- الحافظ الفقيه بدر الدين العيني رحمه الله المتوفى سنة 885هـ :
قال الإمام العيني في عمدة القاري : البدعة في الأصل إحداث أمر لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم البدعة على نوعين إن كانت مما يندرج تحت مستحسن في الشرع فهي بدعة حسنة ، وإن كانت مما يندرج تحت مستقبح في الشرع فهي بدعة مستقبحة .
8- الإمام السبكي رحمه الله :
قال الإمام السبكي : البدعة فـي الشرع إنما يراد بها الأمر الحادث الذي لا أصل له في الشرع ، وقد يطلق مقيداً فيقال : بدعة هدى ، وبدعة ضلالة . اهـ .
9- الإمام الكرماني رحمه الله :
قال الكرماني في شرحه للبخاري : البدعة كل شيء عمل على غير مثال سابق ، وهي خمسة أقسام : واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة . وحديث «كل بدعة ضلالة » من العام المخصوص .
10- الشيخ عبد الحق الدهلوي رحمه الله :
قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في شرح المشكاة : اعلم أن كل ما ظهر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعة وكل ما وافق أصول سنته وقواعدها أو قيس عليها فهو بدعة حسنة ، وكل ما خالفها فهو بدعة سيئة وضلالة .
11- الحافظ علي بن محمد بن حزم رحمه الله ، المتوفى سنة 456هـ :
قال ابن حزم : البدعة في الدين كل ما لم يأت في القرآن ، ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أن منها ما يُؤجر عليه صاحبه ، ويعذر بما قصد إليه من الخير ، ومنها ما يؤجر عليه ويكون حسناً ، وهو ما كان أصله الإباحة، كما روي عن عمر رضي الله عنه : « نعمة البدعة هذه » وهو ما كان فعل خير وجاء النص بعمومه استحباباً ، وإن لم يقرر عمله في النص ، ومنها ما يكون مذموماً ولا يعذر صاحبه ، وهو ما قامت الحجة على فساده فتمادى القائل به. اهـ .
12- السيد المحدِّث عبد الله بن الصدِّيق الغماري رحمه الله :
قال رحمه الله : البدعة الحسنة ما كانت على غير مثال سابق ولها أصل . وقال في موضع آخر : البدعة الحسنة هي التي توافق أصول الشرع وإن كانت محدثة باعتبار شخصها ، فهي مشروعة باعتبار نوعها لدخولها في قاعدة شرعية أو عموم آية أو حديث ، ولهذا سميت حسنة . اهـ .
ما هو فهم علماء السلف لحديث ( كل مُحدثة بدعة ) ؟
قال الإمام احمد بن محمد الخطابي البستي المتوفى سنة 388 في شرح هذا الحديث وقوله : (كُل محدثة بدعة ) فإن هذا خاص في بعض الأمور دون بعض ، وهي كل شيء أحدث على غير أصل من أصول الدين وعلى غير عياره وقياسه ، وما كان منها مبنياً على قواعد الأصول ومردوداً إليها فليس ببدعة ولا ضلالة والله أعلم .
قال العلامة الحجة الفقيه المحدث الإمام زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد المعروف ابن رجب الحنبلي في شرح حديث ( كل بدعة ضلالة ) قوله : ( وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة) تحذير للأمة من إتباع الأمور المحدثة المبتدعة وأكد ذلك بقوله ( كل بدعة ضلالة ) والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه ، وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعاً وإن كان بدعة لغةً
قال الإمام شيخ الإسلام محي الدين أبو زكريا يحيى النووي قوله : ( كل بِدعة ضلالة ) هذا عام مخصوص والمراد غالب البدع قال أهل اللغة : هي كل شيء عمل على غير مثال سابق قال العلماء : البدعة خمسة أقسام : واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني والمراد بقوله ( كل بدعة ضلالة ) ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا عام .
فليس في هذا الحديث كلية تقتضي شمول الضلالة لكل محدث ، بل هو من قبيل العام المخصوص أو العام الذي أريد به الخصوص .
مثال العام الذي أريد به الخصوص
قوله تعالى { يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا } أي كل سفينة صالحة جيدة ، وقوله تعالى {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } وأبواب الرحمة لم تفتح عليهم ، قوله صلى الله عليه وسلم ( الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام ) أخرجه البخاري ، وأجمع الشراح على أنه ليس على عمومه مع أن فيه الكلية ( كل ) .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم