" هل ما ذكره ابن بطوطة صحيح بخصوص عقيدة شيخ الإسلام ابن تيمية"
لنتحدّث أوّلاً عن عقيدة ابن تيمية في الله سبحانه وصفاته، المستقاة من كتبه, ثمّ نتحدّث عن رحلة ابن بطوطة، أو غيرها من المصادر التي ذكرت بعض المشاهد الحسّية في تبنّي ابن تيمية لعقيدة التجسيم, فالمهم عندنا بيان عقيدة ابن تيمية في هذا الموضوع من كتبه وألفاظه, وليس مهماً ما ذكره ابن بطوطة أو غيره، ممّا يعدّ مؤيّداً في ما لو ثبت عنه هذا الأمر.
ونسبة ابن تيمية إلى التجسيم ذكرها الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة) حين قال: ((وافترق الناس فيه - أي: ابن تيمية - شيعاً: فمنهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكر في العقيدة الحموية والواسطية وغيرهما من ذلك، كقوله إنّ اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقية لله, وأنّه مستو على العرش بذاته. فقيل له: يلزم من ذلك التحيّز والانقسام، فقال: أنا لا أُسلّم أنّ التحيّز والانقسام من خواص الأجسام. فألزم بأنّه يقول بتحيّز في ذات الله...))(1).
أيضاً قال ابن الوردي في (تتمّة المختصر): ((استدعي الشيخ تقي الدين أحمد بن تيمية من دمشق إلى مصر, وعقد له مجلس, واعتقل بما نسب إليه من التجسيم))(2).
وجاء في (تاريخ أبي الفداء): ((وفيها استدعي تقيّ الدين أحمد بن تيمية من دمشق إلى مصر، وعقد له مجلس، وأُمسك وأُودع الاعتقال بسبب عقيدته؛ فإنّه كان يقول بالتجسيم))(3).
وعن اليافعي في (مرآة الجنان) عند ذكره لحوادث سنة 705هـ وما جرى فيها لابن تيمية: ((وكان الذي ادّعى به عليه - أي: على ابن تيمية - بمصر أنّه يقول: إنّ الرحمن على العرش استوى حقيقة, وإنّه يتكلّم بحرف وصوت، ثمّ نودي بدمشق وغيرها: من كان على عقيدة ابن تيمية حلّ ماله ودمه))(4).
وعلى أيّة حال, كلام ابن تيمية في التجسيم يقسّم على أربعة أبعاد, وهي كما يلي:
1- إسناد المكان والجهة إلى الله تعالى.
2- زعمه أنّ الحوادث تقوم بالله سبحانه.
3- زعمه أنّ كلام الله تعالى بصوت وحرف.
4- كلامه في مسألة الجسم.
البعد الأوّل: قال ابن تيمية في (الرسائل التدمرية), وضمن عنوان: تنازع الناس في الجهة والتحيّز: ((... وقد علم أنّ ما ثمّ موجود إلاّ الخالق والمخلوق, والخالق مباين للمخلوق سبحانه وتعالى, ليس في مخلوقاته شيء من ذاته, ولا في ذاته شيء من مخلوقاته.
فيقال لمن نفى الجهة: أتريد بالجهة: أنّها شيء موجود مخلوق؟ فالله ليس داخلاً في المخلوقات، أم تريد بالجهة: ما وراء العالم؟ فلا ريب أنّ الله فوق العالم مباين للمخلوقات.
وكذلك يقال لمن قال: الله في جهة: أتريد بذلك: أنّ الله فوق العالم؟ أو تريد به: أنّ الله داخل في شيء من المخلوقات؟ فإن أردت الأوّل، فهو حقّ, وإن أردت الثاني، فهو باطل, وكذلك لفظ التحيّز...))(5).. إلى آخر كلامه.
وجاء في كتاب (بيان تلبيس الجهمية): ((والبارئ سبحانه وتعالى فوق العالم فوقية حقيقية ليست فوقية الرتبة, كما أنّ التقدّم على الشيء، قد يقال: إنّه بمجرّد الرتبة، كما يكون بالمكان، مثل تقدّم العالم على الجاهل، وتقدّم الإمام على المأموم، فتقدّم الله على العالم ليس بمجرّد ذلك، بل هو قبله حقيقة، فكذلك العلو على العالم، قد يقال: إنّه يكون بمجرّد الرتبة، كما يقال: العالم فوق الجاهل, وعلو الله على العالم ليس بمجرّد ذلك، بل هو عالٍ عليه علوّاً حقيقياً، وهو العلو المعروف والتقدّم المعروف))(6).
قال الكوثري في تعليقه على هذا النص: ((فهل يشكّ عاقل أنّ ابن تيمية يريد بذلك الفوقية الحسّية، والعلو الحسّي - تعالى الله عمّا يؤفكون - واستعمال العلو ومشتقّاته في اللّغة العربية بمعنى: علوّ الشأن، في غاية الشهرة، رغم تقوّل المجسّمة))(7).
وذكر الحافظ أبو حيّان في تفسيره (النهر الماد) عند تفسير قوله تعالى: (( وَسِعَ كُرسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ )) (القرة:255)، أنّه قرأ في رسالة بخطّ ابن تيمية قوله: ((إنّ الله يجلس على العرش, وقد أخلى مكاناً يقعد فيه معه رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) ))(
.
قال الزبيدي في (إتحاف السادة المتّقين بشرح إحياء علوم الدين): ((قال السبكي: وكتاب العرش من أقبح كتبه, ولمّا وقف عليه الشيخ أبو حيّان ما زال يلعنه حتّى مات, بعد أن كان يعظّمه))(9).
وقد ذكر هذا الكتاب - أي كتاب العرش - صاحب (كشف الظنون) الذي جمع أسماء الكتب ومصنّفيها, حيث قال: ((كتاب العرش وصفته... ولابن تيمية، ذكر فيه أنّ الله تعالى يجلس على الكرسي، وقد أخلى مكاناً يقعد معه فيه رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)، ذكره أبو حيّان في النهر في قوله سبحانه وتعالى: (( وَسِعَ كُرسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ ))، وقال: في كتاب العرش لأحمد بن تيمية ما صورته بخطّه))(10).
وقفة قصيرة لبيان تناقضات ابن تيمية:
وكيفما كان, فقد حكم ابن تيمية بكفر وضلالة من خالفه في رأيه المتقدّم في الجهة والحيّز، إذ قال:
((فصل: وأمّا قولهم الذي نطلب منه أن يعتقده أن ينفي عن الله التحيّز.
فالجواب من وجوه:
أحدها: أنّ هذا اللفظ ومعناه الذي أرادوه ليس هو في شيء من كتب الله المنزّلة من عنده, ولا هو مأثور عن أحد من أنبياء الله ورسله، ولا خاتم المرسلين، ولا غيره, ولا هو أيضاً محفوظاً عن أحد من سلف الأُمّة وأئمّتها أصلاً..
وإذا كان بهذه المثابة, وقد علم أنّ الله أكمل لهذه الأُمّة دينها, وأنّ الله بيّن لهذه الأُمّة ما تتّقيه، كما قال: (( اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم )) (المائدة:3), وقال: (( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوماً بَعدَ إِذ هَدَاهُم حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَا يَتَّقُونَ )) (التوبة:115)، وأنّ النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) بيّن للأُمّة الإيمان الذي أمرهم الله به، وكذلك سلف الأُمّة وأئمّتها.. علم بمجموع هذين الأمرين: أنّ هذا الكلام ليس من دين الله, ولا من الإيمان, ولا من سبيل المؤمنين, ولا من طاعة الله ورسوله.
وإذا كان كذلك فمن التزم اعتقاده فقد جعله من الإيمان والدين, وذلك تبديل للدين، كما بدّل من بدّل من مبتدعة اليهود والنصارى، ومبتدعة هذه الأُمّة دين المرسلين.
إلى أن يقول في بيانه للوجه الثاني: وليس في شيء من ذلك نفي الجهة والتحيّز عن الله, ولا وصفه بما يستلزم لزوماً بيّناً نفي ذلك, فكيف يصحّ مع كمال الدين وتمامه، ومع كون الرسول قد بلّغ البلاغ المبين, أن يكون هذا من الدين والإيمان ثمّ لا يذكره الله ولا رسوله قطّ؟
وكيف يجوز أن يدعى الناس ويؤمرون باعتقادٍ في أُصول الدين ليس له أصل عمّن جاء بالدين.. هل هذا إلاّ صريح تبديل الدين؟))(11).
فكما ترى أنّ ابن تيمية ينكر أشدّ الإنكار على من ينفي الجهة والتحيّز عن الله تعالى, فيلزمه - على هذا - القول بإثبات الجهة والتحيّز, فحيث نفى نفي الجهة لم يبق إلاّ الإثبات, وعلى هذا يمكن أن نقول: إنّه قال بثبوت الجهة والتحيّز هنا، باعتبار لازم كلامه, ولا سيّما أنّه قد عدّ الخارجين على رأيه خارجين على دين الله, فنفاة الجهة والتحيّز عنده قد بدّلوا دين الله على زعمه, فلم يبق إلاّ أن يثبتهما هو ليحافظ على دين الله من التبديل!!
وقد وسم ابن تيمية في الوجه الرابع الطالبين باعتقاد نفي الجهة والحيّز عن الله تعالى بالأئمّة المضلّين, وأنّهم يأمرون الناس بأن يقولوا على الله ما لا يعلمون(12).
إلاّ أنّ ابن تيمية ناقض نفسه في ما بنى عليه هناك من حمل الألفاظ على ظواهرها حقيقة, ولم يثبت لله صفة المعية بمرادها الحقيقي, بل تهافت في ذلك وفسّرها - كما قال - بما تدلّ عليه الحال في قوله تعالى: (( لاَ تَحزَن إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )) (التوبة :40) بمعية الاطّلاع والتأييد والنصر!!
وهذا تناقض فاضح, وتحكّم ظاهر في تفسير آيات الكتاب الكريم, وحكم على نفسه بنفسه - وحسب أقواله - بأنّه مبتدع وضال، قال: ((ولمّا قال النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) لصاحبه في الغار: (( لاَ تَحزَن إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )), كان هذا أيضاً حقّاً على ظاهره, ودلّت الحال على أنّ حكم هذه المعية هنا: معية الاطّلاع والتأييد والنصر))(13).
ولا ندري لِمَ لَم تسعف الحال ابن تيمية في صفة الفوقية هناك، فينفي عن المولى سبحانه ما يقتضيه معناها الذي هو من لوازم الأجسام، أو لوازم أعراض الأجسام؟! وهو حمل محال, ويحملها على ما يمكن حمله عقلاً وشرعاً كما فعل مع صفة المعية هنا!
قال الغزالي في (إلجام العوام): ((إذا سمع لفظ الفوق في قوله تعالى: (( يَخَافُونَ رَبَّهُم مِن فَوقِهِم )) (النحل:3) ، وفي قوله تعالى: (( وَهُوَ القَاهِرُ فَوقَ عِبَادِهِ )) (الأنعام:18)، فليعلم أنّ الفوق اسم مشترك يطلق لمعنيين: أحدهما: نسبة جسم إلى جسم، بأن يكون أحدهما أعلى والآخر أسفل, يعني: أنّ الأعلى من جانب رأس الأسفل.. وقد يطلق لفوقية الرتبة, وبهذا المعنى يقال: الخليفة فوق السلطان, والسلطان فوق الوزير, وكما يقال العلم فوق العمل.
(والأوّل) يستدعي جسماً ينسب إلى جسم.
(والثاني) لا يستدعيه.. فليعتقد المؤمن قطعاً أنّ الأوّل غير مراد, وأنّه على الله تعالى محال؛ فإنّه من لوازم الأجسام أو لوازم أعراض الأجسام))(14).
البعد الثاني: (وهو زعمه: أنّ الحوادث تقوم بالله تعالى):
قال العلاّمة الحلّي(رحمه الله) - الذي يردّ عليه ابن تيمية في (منهاج السُنّة) -: ((وأنّ أمره ونهيه وإخباره حادث, لاستحالة أمر المعدوم ونهيه وإخباره))(15).
فقال ابن تيمية: ((فيقال: هذه مسألة كلام الله تعالى والناس فيها مضطربون...- إلى أن قال:- فإن قلتم لنا: فقد قلتم بقيام الحوادث بالربّ, قالوا لكم [قلنا لكم] (16): نعم, وهذا قولنا الذي دلّ عليه الشرع والعقل))(17).
وقال أيضاً: ((فإذا قالوا لنا: فهذا يلزم منه أن تكون الحوادث قامت به!
قلنا: ومن أنكر هذا قبلكم من السلف والأئمّة؟ ونصوص القرآن والسُنّة تتضمّن ذلك مع صريح العقل, وهو قول لازم لجميع الطوائف, ومن أنكره فلم يعرف لوازمه وملزومه, ولفظ الحوادث مجمل، فقد يراد به الأعراض والنقائص والله منزّه عن ذلك... ولكن يقوم به ما شاءه ويقدر عليه من كلامه وأفعاله ونحو ذلك ممّا دلّ عليه الكتاب والسُنّة))(18).
وقد بيّن مذهب ابن تيمية في قيام الحوادث بالله أحد المدافعين عنه، وهو محمّد خليل هراس بقوله: ((فهل يجوّز ابن تيمية قيام الحوادث بذاته تعالى؟
الجواب: إنّ ابن تيمية لا يرى من ذلك مانعاً, لا من جهة العقل، ولا من جهة النقل, بل يرى أنّ العقل والنقل متضافران على وجوب قيام الأُمور الاختيارية به تعالى..
وأمّا تلك المقدّمة القائلة: إنّ ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث, فهي صحيحة إن أُريد بها: آحاد الحوادث وأفرادها المتعاقبة في الوجود؛ فإنّ لكلّ واحد منها مبدأ ونهاية, فما لم يخل منها فهو إمّا أن يكون معها أو بعدها, وعلى التقديرين يكون حادثاً.
وأمّا إن أُريد: جنس الحوادث، فهي باطلة؛ فإنّ الجنس يجوز أن يكون قديماً, إن كان كلّ فرد من أفراده حادثاً, حيث أنّه لا يلزم من حدوث كلّ فرد حدوث الجملة, لأنّ حكم الجملة؛ غير حكم الأفراد))(19).
إلاّ أن هذا الشيخ المدافع عن عقائد ابن تيمية والمؤيّد لها, لم يطمئن لعقيدته هذه, وقال: إنّها مبتنية على قاعدة يصعب تصوّرها, إذ عقّب بالقول: ((إنّ ابن تيمية قد بنى على هذه القاعدة (قدم الجنس وحدوث الأفراد) كثيراً من العقائد, وجعلها مفتاحاً لحلّ مشاكل كثيرة في علم الكلام, وهي قاعدة لا يطمئنّ إليها العقل كثيراً؛ فإنّ الجملة ليست شيئاً أكثر من الأفراد مجتمعة، فإذا فرض أنّ كلّ فرد منها حادث، لزم من ذلك حدوث الجملة قطعاً)).
ثمّ قال: ((فإنّ ابن تيمية بعد أن أورد المذاهب المختلفة أخذ في تقرير مذهبه الذي يدّعي أنّه مذهب السلف, ولكن عليه من المآخذ ما سبق أن أشرنا إليه من تجويز قيام الحوادث بذاته تعالى, وابتنائه على تلك القاعدة الفلسفية التي تقول بقدم الجنس مع حدوث أفراده, وهي قاعدة يصعب تصوّرها، كما قلنا))(20).
وهذه العقيدة قد تابع فيها ابن تيمية الكرامية, وهم من المجسّمة!
قال الكوثري في (الردّ على النونية): ((اتّفقت فرق المسلمين، سوى الكرامية وصنوف المجسّمة، على أنّ الله سبحانه منزّه عن أن تقوم به الحوادث، وأن يحلّ به الحوادث, وأن يحلّ في شيء من الحوادث, بل ذلك ممّا علم من الدين بالضرورة))(21).
وقال تقي الدين السبكي: ((وأمّا الحشوية, فهي طائفة رذيلة جهّال ينتسبون إلى أحمد, وأحمد مبرّأ منهم, وسبب نسبتهم إليه أنّه قام في دفع المعتزلة, وثبت في المحنة(رضي الله عنه), ونقلت عنه كليمات ما فهمها هؤلاء الجهّال، فاعتقدوا هذا الاعتقاد السيّء, وصار المتأخّر منهم يتبع المتقدّم إلاّ من عصمه الله, وما زالوا من حين نبغوا مستذلّين ليس لهم رأس ولا من يناظر... - إلى أن يقول:- ثمّ جاء في أواخر المائة السابعة رجل له فضل ذكاء واطّلاع, ولم يجد شيخاً يهديه, وهو على مذهبهم، وهو جسور، متجرّد لتقرير مذهبه, ويجد أُموراً بعيدة فبجسارته يلتزمها, فقال بقيام الحوادث بذات الربّ سبحانه وتعالى, وأنّ الله سبحانه ما زال فاعلاً, وأنّ التسلسل ليس بمحال في ما مضى، كما هو في ما سيأتي, وشقّ العصا، وشوّش عقائد المسلمين, وأغرى بينهم, ولم يقتصر ضرره على العقائد في علم الكلام، حتّى تعدّى وقال: إنّ السفر لزيارة النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) معصية))(22).
وعلى أيّة حال, فدعوى ابن تيمية قيام الحوادث بالله تعالى معناه: قيام المخلوق بذات الله تعالى؛ لأنّ الحادث مخلوق, ومعناه: قيام الناقص بالكامل, وبعبارة أُخرى: اتّصاف الله الكامل بالناقص, وهذا خلف، كونه كاملاً.
مع أنّ دليل ابن تيمية يحمل بطلانه معه, وقد اقترب من تقرير بطلانه محمّد خليل هراس بنفسه, وهو أحد أتباعه؛ إذ الجملة ليست شيئاً أكثر من الأفراد مجتمعة, فإذا تقرّر أن كلّ فرد منها حادث، لزم من ذلك حدوث الجملة قطعاً, فعلى هذا يستحيل وجود حوادث لا أوّل لها.
البعد الثالث: (زعمه: أنّ كلام الله تعالى بصوت وحرف):
يقول ابن تيمية كما في (فتاويه الكبرى): ((وأنّ الله تعالى متكلّم بصوت، كما جاءت به الأحاديث الصحاح, وليس ذلك كأصوات العباد, لا صوت القارئ ولا غيره))(23).
قال: ((عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله(صلّى الله عليه وسلم): يقول الله: يا آدم, فيقول: لبّيك وسعديك. فينادى بصوت: إنّ الله يأمرك أن تخرج من ذرّيتك بعثاً إلى النار))(24).
قال: ((ويذكر عن جابر بن عبد الله, عن عبد الله بن أنيس: سمعت النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) يقول: يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بُعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك, أنا الديّان))(25).
ابن تيمية يناقض نفسه:
ونبدأ هنا بذكر تناقض ابن تيمية وردّه على نفسه؛ فإنّ التناقض هو أوّل مراتب الفساد، كما يقول هو نفسه.