الزاوية الهبرية الدرقاوية الشاذلية مداغ
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الشيخ سيدي محمد مختار الهبري رضي الله عنه شيخ الطريقة الهبرية مداغ
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 سؤال الشيخ في التربية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
لزاوي محمد مقدم الطريقة

لزاوي محمد مقدم الطريقة


عدد المساهمات : 265
تاريخ التسجيل : 01/08/2015
العمر : 44

سؤال الشيخ في التربية  Empty
مُساهمةموضوع: سؤال الشيخ في التربية    سؤال الشيخ في التربية  Emptyالجمعة أغسطس 21, 2015 7:14 pm

شكل سؤال الاكتفاء بالكتب عن الشيخ إحدى القضايا الهامة التي أثارت نقاشا حادا في القرن الثامن الهجري، لم يقتصر مجال النقاش بين الطلبة في مسجد غرناطة، وإنما تطور الأمر ليصبح لزاما على «المثقف» أن يخوض بدوره في هذا الجدال الدائر في الأندلس، لينعكس تأثير ذلك على الواقع المغربي، مما يعطي الانطباع على مدى التأثير القائم بين العدوتين، وسرعة انتشار الأفكار بين المجالين، وهنا ينبغي الوقوف على الملاحظات الآتية:

أ‌- أن التصوف في القرن الثامن الهجري أصبح يشكل واقعا جماعيا مؤثرا داخل الحياة العامة في المجتمع الأندلسي.

ب‌- أن مجال التصوف أصبح راسخا داخل الشعور العام في الأندلس، بحيث إن بعض قضايا التصوف من مثل ضرورة الشيخ في التربية استدعت حَمية وتعنيفا بين طلبة العلم، ليخرج النقاش من إطاره الحجاجي، إلى إطار يبرز فيه العنف عاملا للدفاع عن الأفكار والمعتقدات.

ج- أن النقاش المثار حول ضرورة الشيخ المربي استدعى انخراط العلماء للإجابة عن هذا الإشكال المطروح، والذي يمكن أن يكون سببا في خلخلة وحدة الأفراد داخل المجتمع.

وقد أدى هذا الاختلاف إلى أن يرسل الإمام الشاطبي (790هـ) إلى كل من الفقيهين المغربيين: أحمد القباب (778هـ)، وابن عباد الرندي (792هـ) يستفتيهما في قضية الاكتفاء بالكتب دون الشيخ، أم أن الشيخ ضروري في السلوك التربوي؟

كما أدلى العلامة ابن خلدون (808هـ) في الموضوع في كتابه: «شفاء السائل لتهذيب المسائل»، وتكلم الشيخ زروق أيضا (899هـ) مبرزا وجهة نظره في هذه القضية في كتابيه: «عدة المريد الصادق» و «قواعد التصوف». إلا أننا في هذا المقال سنقتصر على أعلام القرن الثامن الهجري، مرجئين الكلام عن تجليات هذا الحدث مع أعلام القرن التاسع في مقال لاحق.

أ‌- جواب القباب[1]: جاء جواب القباب يتضمن أفكارا متعددة، يمكن إجمالها على النحو التالي:

- أن التصوف لا يكفي فيه التعلم من غير ذوق، ولا ينفع فيه تحصيل المقال دون اتصاف وتحقق بتلك الأحوال.

- استحسانه من قال: أنه لابد في الطريق من شيخ، قوله: وليس فوق ما احتج به من حجة، وليس بعد بيانه بيان، فهذه كتب الطب والفقه والأصول والنحو فما يمنعك من النظر فيها والاطلاع على معانيها والتحقيق في مراسمها لتكون من علمائها، بدون مجالسة أهل تلك الفنون، ولهذا قال العلماء: كان العلم في صدور الرجال، ثم انتقل إلى الكتب ومفاتيحه بأيدي الرجال.

- قوله: أن اصطلاحات القوم غير مصرح بها، بل مذكورة على جهة الرمز أو الكناية، والخوف فيها أعظم، فكيف يقدر على خوض هذا العلم من الكتب بغير شيخ مع ذلك.

- قوله: أن كتب القوم مشتملة على فنين: أحدهما: معرفة المقامات والأحوال، وأخذ النفس باتصاف تلك الصفات، وملاحظة تلك الخواطر ومدافعة ما يعرض في ذلك من العوارض. والفن الآخَر: معرفة ما فيه قوام المعاملة وتصفيتها من الشوائب المفسدة، ومعرفة عيوب النفس وكيف مداواة عللها. والخوض في هذا الفن الآخر متأكد لا غنى لأحد عنه، والغرر فيه أخف، لأن أكثره أمور بينة، وعللها ظاهرة، فمن وجد شيخا يهديه سبيله فليلزمه، ومن لا، فلابد له من هذه الكتب. وأما الفن الأول فلابد، إذ صاحبه طالب ربح وقاصد لأمر لم يكلف به حتما، فليس من شأن العقلاء المخاطرة في طلب ربح بسلوك طريق مخوفة بغير دليل. [2]

فشيخ التربية بالنسبة للقباب يتوجب الأخذ عنه خصوصا في معرفة المقامات والأحوال، وإدراك معاني اصطلاحات القوم، أما ما يتعلق بالمعاملات وتصفيتها من الشوائب، ومعرفة عيوب النفس فالشيخ فيها متأكد، فمن وجد شيخا يهديه فليلزمه، وإلا فعليه بكتب القوم. ومعنى الكلام أنه يستعين بما دَوَّنَهُ شيوخ التربية وما أثر عنهم في وصف عيوب النفس وتلوناتها، وكيفية علاج عللها وأمراضها، إلى أن يتيسر له ملاقاة الشيخ المربي، ولا يدل كلام القباب بحال من الأحوال أنه يمكن الاكتفاء بالكتب دون الشيخ.

ب- جواب ابن عباد[3]: خلاصة ما ذكره ابن عباد يتمحور على الشكل التالي:

- الذي أراه أن الشيخ في سلوك طريق التصوف على الجملة أمر لا زم لا يسع أحد إنكاره، وكان هذا من الأمور الضرورية.

- الشيخ نوعان: شيخ تعليم وتربية، وشيخ تعليم بلا تربية. فشيخ التربية ليس بضروري لكل سالك، وإنما يحتاج إليه من فيه بلادة ذهن، واستعصاء نفس، وأما من كان وافر العقل منقاد النفس فليس بلازم في حقه، وتقيده به من باب أولى، وأما شيخ التعليم فهو لازم لكل سالك...إلا أنه لا يكمل كما يكمل من تقيد بالشيخ المربي، لأن النفس كثيفة الحجاب، عظيمة الإشراك، فلابد من بقاء شيء من الرعونات فيها، ولا يزول عنها ذلك إلا بالانقياد للغير والدخول تحت الحكم والقهر، ولذلك قلنا إنه من باب أولى.

- أن ما ينبغي اعتماده بالنسبة للمريدين في بداية أمرهم، أن يصححوا قصدهم بمراعاة الصدق مع الله تعالى، ويستمروا في السلوك على النهج القويم، إلى أن يقيض الله لهم شيخا ربانيا يرقيهم بهمته في أسرع وقت، وقد قال الله تعالى: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾ [العنكبوت، الآية 69] .

- لا ينبغي للعبد أن يمتنع من الأخذ في السلوك بسبب عدم وجدان شيخ يراجعه في جزئيات سلوكه، ويبقى منتظرا لوجود الشيخ، بل يبادر إلى السلوك على النحو الذي ذكرناه من قبل.

يظهر من موقف ابن عباد، أن السالك المعتمِد على شيخ التعليم لا يكمل كما يكمل مَن تقيد بالشيخ المربي، ولا يمكن الاستعاضة عنه أيضا بكتب القوم، لأن هذه الأخيرة يُحتاج معها أيضا إلى من يفتح مغاليقها، ويبين مراميها.

ج- جواب الشاطبي: لم يكن للإمام الشاطبي رد في المسالة التي أفتى فيها الفقيهين المغربيين القباب وابن عباد، ولكن يمكن تلمس موقف الشاطبي من خلال كتابيه: «الموافقات» و«الاعتصام»، اللذين يضمان فصولا مهمة في مجال التصوف، وإن كان الشيخ يتشوف إلى أن يصنف كتابا خاصا يلخص فيه طريقة القوم، حيث قال في الاعتصام: «وفي غرضي - إن فسح الله في المدة، وأعانني بفضله، ويسّر لي الأسباب- أن ألخص في طريقة القوم أنموذجا، يستدلّ به على صحتها وجريانها على الطريقة المثلى، وأنه إنما دخلتها المفاسد وتطرقت إليها البدع: من جهة قوم تأخرت أزمانهم عن عهد ذلك السلف الصالح، وادّعوا الدخول فيها من غير سلوك شرعي، ولا فهم لمقاصد أهلها، وتقوّلوا عليهم ما لم يقولوا به، حتى صارت في هذا الزمان الآخر كأنها شريعة أخرى غير ما أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم...، وطريقة القوم بريئة من هذا الخُباط بحمد الله».[4]

ويقول عن الصوفية: «الصوفية الذين نُسِبت إليهم الطريقة مُجمعون على تعظيم الشريعة، مقيمون على متابعة السنة، غير مُخلِّين بشيء من آدابها، أبعد الناس عن البدع وأهلها. ولذلك لا نجد منهم من ينسب إلى فِرقة من الفرق الضالة، ولا من يميل إلى خلاف السُّنة. وأكثر من ذُكِر منهم علماء وفقهاء ومحدثون، وممن يؤخذ عنه الدين أصولاً وفروعاً...».[5]

ففي كتابه الموافقات نجد في المقدمات التي استفتح بها مؤلفه قواعد عامة للسلوك وهي:

- كل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها خوض فيما لم يدل على استحسانه دليل شرعي.

- كل علم شرعي فطلب الشارع له إنما يكون حيث هو وسيلة إلى التعبد به لله تعالى، لا من جهة أخرى.

- العلم المعتبر شرعا هو العلم الباعث على العمل الذي لا يخلي صاحبه جاريا مع هواه كيفما كان.

- مِن أنفع طُرُق العلم المُوصِّلة إلى غاية التحقق به أخذُه عن أهله المتحققين به على الكمال والتمام.[6]

كما أن الشاطبي ينبه إلى أصل الإقتداء بالشيوخ المتمكنين لمن أراد التحقق بالعلم الشرعي سلوكا وأدبا. وجملة ما ذكره:

- العمل بما علم حتى يكون قوله مطابقا لفعله.

- أن يكون ممن رباه الشيوخ في ذلك العلم، وهكذا شأن السلف الصالح.

- الاقتداء بمن أخذ عنه، والتأدب بأدبه، كما علمت من اقتداء الصحابة بالنبي ﷺ واقتداء التابعين بالصحابة، وهكذا في كل قرن، وبهذا الوصف امتاز مالك عن أضرابه أعني شدة الاتصاف به، وإلا فالجميع ممن يُهتدى به في الدين كذلك كانوا، ولكن مالكا اشتهر بالمبالغة في هذا المعنى، فلما ترك هذا الوصف رفعت البدع رؤوسها، لأن ترك الاقتداء دليل على أمر حدث عند التارك، أصله إتباع الهوى.[7]

إن الناظر في المتون الصوفية المغربية، يجد أن هناك من المشايخ الذين كانت لهم صلات ببعض الكتب الصوفية، فقد كان الشيخ أبو النحوي قد جزأ كتاب الإحياء إلى ثلاثين جزءا، فيقرأ في كل يوم رمضان جزءا منه[8]، وكان أبو الحسن بن حرزهم يُقرأ كتاب الرعاية للمحاسبي[9]، بل منهم من كان يربي أصحابه ببعض المؤلفات كالشيخ الغزواني الذي يربي بقصيدة الشيخ الشريشي «أنوار السرائر وسرائر الأنوار»، وهناك من المشايخ المتأخرين من كان يحث على حكم ابن عطاء السكندري، ومجمل القول:

• أن الشيوخ الذين كان لهم اتصال بكتب التصوف، قد سبقت لهم صحبة ومجالسة الشيوخ، وبعد أن حصلوا استعدادا باطنيا، وتهيئا روحيا كان لهم النظر في كتب القوم على وجه الاستئناس، وإلا فإن التربية الصوفية تُأخذ من بواطن الرجال.

• أن الشيوخ الذين أدرجوا بعض الكتب الصوفية في مجال التربية لم يكن ذلك بمعزل عن الشيخ المربي، وإنما ذلك بوجوده، فطريقة جامعة بين تربية الشيخ وبكتب القوم، ويمكن الاستغناء عن الكتب، ولكن لا يمكن الاستغناء عن الشيخ.

• أن الكتب التي كان يستعملها بعض المشايخ هو ما تعلق بجانب المعاملات والسلوك ولم تكن كتب حقائق.
لقد سبق بيان نص الفتوى التي أرسلها الإمام الشاطبي (790هـ) إلى كل من الفقيهين المغربيين: أحمد القباب (778هـ)، وابن عباد الرندي (792هـ) يستفتيهما في قضية الاكتفاء بالكتب دون الشيخ، أم أن الشيخ المربي واقع لا مناص عنه في السلوك التربوي؟ إلا أنه بخلاف ما أجاب به الشيخين في قضية هذه الفتوى، فقد خاض علماء آخرون من (ق.9) في نفس المسألة، ما يشير إلى أن صدى هذه القضية قد امتد إلى القرن الموالي، لذلك يمكن أن نسمها بقضية القرن، وسنأتي على ذكر كل من العلامة ابن خلدون (808هـ) من خلال كتابه: «شفاء السائل لتهذيب المسائل»، والشيخ زروق (899هـ) في كتابيه: «عدة المريد الصادق» و «قواعد التصوف»كممثلين بارزين في الموضوع خلال هذه الفترة.

جواب ابن خلدون: وقف ابن خلدون على تقييد وصل من عدوة الأندلس، يخاطب بعض الأعلام من أهل مدينة فاس، «طالبا كشف الغطاء في طريق الصوفية، أهل التحقق في التوحيد الذوقي والمعرفة الوجدانية، هل يصح سلوكه والوصول به إلى المعرفة الذوقية، ورفع الحجاب عن العالم الروحاني، تعلما من الكتب الموضوعة لأهله واقتداء بأقوالهم الشارحة لكيفيته، فتكفي في ذلك مشافهة الرسوم، ومطالعة العلوم، والاعتماد على كتب الهداية الوافية بشروط النهاية والبداية، «كالإحياء والرعاية» أم لابد من شيخ يبين دلائله، ويحذر غوائله، ويميز للمريد عند اشتباه الواردات والأحوال مسائله»[1]، فندب نفسه إلى كشف الغطاء وتحرير محل النزاع في المسألة، فألف في ذلك كتابه «شفاء السائل لتهذيب المسائل»، أتى فيه على ذكر المسألة بناء على تقسيمه للمجاهدات إلى ثلاث مستويات: مجاهدة التقوى، ومجاهدة الاستقامة، ومجاهدة الكشف.

- فمجاهدة التقوى، وهي الوقوف عند حدود الله، وحصولها في الظاهر بالنزوع عن المخالفات والتوبة عنها، وترك ما يؤدي إليها من الجاه والاستكثار من المال وفضول العيش والتعصب للمذاهب، وفي الباطن مراقبة أفعال القلب التي هي مصدر الأفعال، ومبدؤها أن يلم بمقارفة محظور أو إهمال واجب، وهذه المجاهدة لا يُضطر فيها إلى الشيخ، «وإنما يكون لصاحب المجاهدة كمالٌبالإقتداء بشيخ معلم يبين له الحق في صور الأفعال لقنا بالعيان، وهو من شروط الكمال في كل تعلم»[2].

- ومجاهدة الاستقامة، فهي تقويم النفس وحملها على التوسط في جميع أخلاقها حتى تهذب بذلك، وتتحقق به فتحسن أخلاقها، وتصدر عنها أفعال الخير بسهولة، وتصير لها آداب القرآن والنبوة بالرياضة والتهذيب خلقا جبلية، كأن النفس طبعت عليها، وهي «محتاجة بعض الشيء إلى الشيخ المعلم، لعسر الإطلاع على خلق النفس، وخفاء تلونات القلب، وصعوبة علاجها ومعاناتها...فإذن يتأكد طلب الشيخ في حق صاحب هذه المجاهدة»[3].

- أما «مجاهدة الكشف والمشاهدة التي مطلوبها رفع الحجاب والإطلاع على العالم الروحاني، وملكوت السماوات والأرض، فإنها مفتقرة إلى المعلم المربي، وهو الذي يعبر عنه بالشيخ، افتقار وجوب واضطرار لا يسع غيره، ولا يمكن في الغالب حصولها دونه»[4].

فشيخ التربية بالنسبة لابن خلدون يكون من شروط الكمال في مجاهدة التقوى، ويتأكد وجوده في مجاهدة الاستقامة لخفاء تلونات النفس، ويتوجب الشيخ المربي في مجاهدة الكشف والمشاهدة، لأنها لا تحصل إلا بعد محو الصفات البشرية، والتوجه إلى مطالعة الحضرة الربانية، من أجل انكشاف الحجاب وظهور أسرار العوالم الروحانية.

جواب الشيخ زروق:

ساهم الشيخ زروق في الخلاف الدائر حول مركزية الشيخ في السلوك التربوي، لما لا يمكن أن تفي به قراءة كتب القوم، ونَظَرَ إلى الأجوبة التي قدمها الفقهاء على نص الفتوى، بأن «كل واحد أجاب على حسب فتحه»[5]، وأجمل كلامهم في ثلاث أجوبة:

«أولها: النظر للمشايخ:

فشيخ التعليم، تكفي عنه الكتب للبيب حاذق، يعرف موارد العلم.

وشيخ التربية، تكفي عنه الصحبة لذي دين عاقل ناصح.

وشيخ الترقية، يكفي عنه اللقاء والتبرك، وأخذ كل ذلك من وجه واحد أتم.

الثاني: النظر بحال الطالب:

فالبليد لابد له من شيخ يربيه.

واللبيب يكفي الكتاب في ترقيه، لكنه لا يسلم من رعونة نفسه وإن وصل، لابتلاء العبد برؤية نفسه.

الثالث: النظر للمجاهدات:

فالتقوى لا تحتاج إلى شيخ لبيانها وعمومها.

والاستقامة تحتاج إلى شيخ في تمييز الأصلح منها.

والترقية لابد فيها من شيخ يرجع إليه في فتوحها، كرجوعه عليه السلام للعرض على ورقة بن نوفل، حين فاجأه الحق»[6].

ولقد ساق الشيخ زروق مجموعة من القواعد التي تمثل بمجموعها إجابة واضحة على ضرورة الشيخ المربي، قوله في قواعده: «إنما يؤخذ علم كل شيء من أربابه»[7] وهو مبدأ عام يشمل جميع العلوم، ومقتضى العبارة يدل على أن الدخول إلى هذه المجالات المعرفية لابد من أن يكون عن طريق أصحابها، لاختصاصهم وأهليتهم في تلك الميادين، فلا يأخذ علم الفقه من متكلم، ولا تصوف من فقيه ....وغير ذلك، وقد أشار الإمام الشاطبي إلى أن ذوي الاختصاص في بعض العلوم الشرعية، يوظفون آليات ليست من صميم مجالهم تقليدا.

ويضيف إلى أن «أخذ العلم والعمل من المشايخ أتم من أخذه دونهم ﴿بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم﴾ [العنكبوت:49] ﴿واتبع سبيل من أناب إلي﴾ [لقمان: 15]، ويقرر أن «فتح كل أحد ونوره على حسب فتح متبوعه ونوره.

فمن أخذ علم حاله عن أقوال العلماء مجرة، كان فتحه ونوره منهم.

فإن أخذه عن نصوص الكتاب والسنة، ففتحه ونوره تام، ولكن فاته نور الإقتداء وفتحه، ولذلك تَحَفَّظَ الأئمة عليه، حتى قال ابن المديني رحمه الله: كان ابن المهدي يذهب لقول مالك، ومالك يذهب لقول سليمان بن يسار، وسليمان يذهب لقول عمر بن الخطاب، فمذهب مالك إذن مذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنهم.

قال الجنيد رحمه الله: من لم يسمع الحديث، ويجالس الفقهاء، ويأخذ أدبه عن المتأدبين: أفسد من اتبعه».[8]

وأيضا «من كمال التقوى وجود الاستقامة، وهي حمل النفس على أخلاق القرآن والسنة، كقوله تعالى: ﴿خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين﴾ [الأعراف: 199] ﴿وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا﴾ [الفرقان: 63] وقوله تعال: ﴿ادفع بالتي هي أحسن السيئة﴾ [المومنون: 96]

ولا يتم أمرها إلا بشيخ ناصح، أو أخ صالح، يدل العبد على اللائق به، لصلاح حاله، إذ رب شخص ضره ما انتفع به غيره.

ويدل على ذلك اختلاف أحوال الصحابة في أعمالهم، ووصايا رسول الله ﷺ لهم، ومعاملته معهم»[9]

وأيضا «ضبط النفس بأصل يرجع إليه في العلم والعمل لازم، لمنع التشعب والتشعث.

فلزم الإقتداء بشيخ قد تحقق إتباعه للسنة، وتمكنه من المعرفة، ليرجع فيما يرد أو يراد»[10]

وجملة القول من خلال ما ذكره كل من ابن خلدون والشيخ زروق أن الشيخ المربي يتأكد في مجاهدة الاستقامة، ويتوجب في مجاهدة الكشف والمشاهدة، إلا مجمل كلام الشيخ زروق يعد أكثر تفصيلا، بحيث إن العديد من النصوص خصوصا في كتابه «قواعد التصوف» تؤكد على ضرورة الشيخ المربي في السلوك التربوي، وإن أخذ المتقرب بنصوص الكتاب والسنة فإنه يفوته نور الإقتداء وفتحه.
الهوامش

[1] أبو العباس أحمد القباب الفقيه المفتي المشاور، الخطيب الحاج، الصالح الزاهد، أحد المحققين الحفاظ، من أكابر علماء المذهب حفظا وتحقيقا، وتقدما وإمامة وجلالة، أخذ عن أبي عبد الله الفشتالي، وأبي الحسن ابن فرحون المدني، وعنه أخذ الشاطبي وابن قنفذ، له تآليف عديدة منها: شرح قواعد عياض، وشرح بيوع ابن جماعة، واختصار أحكام النظر لابن القطان، توفي 778هـ. سلوة الأنفاس: محمد الكتاني، 3/304. الديباج المذهب: ابن فرحون، 1/162.

[2] أبو العباس الونشريسي: المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي أهل إفريقية والأندلس والمغرب، خرجه جماعة من الفقهاء بإشراف: محمد حجي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، 1401ھ/1981م: 11/117.

[3] هو سيدي محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن مالك بن عباد النفزي، توفي بفاس سنة 792 م، أفرد له الشيخ عبد المجيد المنالي ترجمة في كتاب أسماه " إفادة المرتاد بالتعريف بالشيخ ابن عباد" مخطوط في الخزانة العامة بالرباط، رقم: 2100د، وترجم له محيى الدين الطعمي في "طبقات الشاذلية الكبرى"، ص: 195.

[4] أبو إسحاق الشاطبي: الاعتصام، ضبط نصه وقدم له وعلق عليه وخرج أحاديثه: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، الدار الأثرية، عمان، الأردن، ط2، 1428ھ/2007م، 1/148-149.

[5] المصدر نفسه، 1/165-166.

[6] أبو إسحاق الشاطبي (ت790ھ): الموافقات في أصول الشريعة، شرحه وخرج أحاديثه: عبد الله دراز، وضع تراجمه: محمد عبد الله دراز، خرج آياته وفهرس موضوعاته: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط7، 1426ھ/2005م، 1/64.

[7] المصدر نفسه، 1/54.

[8] التادلي، التشوف إلى رجال التصوف وأخبار أبي العباس السبتي، تحقيق: أحمد التوفيق، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، ط3، 2010م، ص 96.

[9] أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم التميمي الفاسي (ت603ھ): المستفاد في مناقب العباد بمدينة فاس وما يليها من البلاد، تحقيق: محمد الشريف، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، ط1، 2002م، 2/16.
[1] شفاء السائل لتهذيب المسائل: ابن خلدون، ص 173.

[2] المصدر نفسه، ص 221.

[3] نفسه، ص 222.

[4] نفسه، ص 222.

[5] عدة المريد الصادق: زروق، ص 75.

[6] المصدر نفسه، ص 75-76.

[7] قواعد التصوف، زروق، ص 69.

[8] المصدر نفسه، ص 55.

[9] نفسه، ص 71-72.

[10] نفسه، ص 75.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://habriya.7olm.org
 
سؤال الشيخ في التربية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الزاوية الهبرية الدرقاوية الشاذلية مداغ :: موقع الزاوية الهبرية الدرقاوية الشاذلية :: الزاوية الهبرية مداغ =لدخول لمجموع المواضيع من هنا-
انتقل الى: